يقدمها : محمد منازع
جارة السوء
كمال عبدالجابر
أصبحت حياة الأرملة المسكينة ابتسامة مريرة مما تعانيه من جارة الشر
والسوء.. تربع شيطان الطمع في قلبها استغلت ضعفها وموت زوجها الذي كان
يحميها وولديها من ذرات الهواء وشرور الناس بيتت النية وبصحبتها أولادها
الشبان في إثارة الرعب والفزع في قلبها بغية أن تترك الشقة.. تحملت قسوتهم
علي مضض وانتهي بهم المطاف بما لا يصدقه عقل إنسان ألقوها من نافذة الشقة
بالطابق الثاني ليطويها فراش العجز والآلام بالمستشفي بعد إصابة عظامها
بكسور جسيمة وراح الجناة يختالون بين الجيران بفعلتهم التي يندي لها
الجبين وتخجل من بشاعتها الإنسانية تناسوا حقوق الجواروانطفأت شموع المودة
والمحبة والرحمة في قلوبهم المتحجرة.
تربت المجني عليها في بيت أسري بأحد الأحياء الشعبية بالعاصمة بين
أخواتها البنات وشقيقهن الوحيد علي التربية الدينية والتمسك بالعادات
الطيبة التي صارت راسخة بين وجدانهم في الكبر.
منذ سنوات ارتبطت بالزواج من موظف بإحدي الهيئات الحكومية وأقامت بين
جدران شقة متواضعة تضم ثلاث غرف بالدور الثاني وسارت بها سفينة الحياة
هادئة ومستقرة رزقت خلالها بولدين صارا في ريعان الشباب بين أحضان أمومتها
الدافئة ورعاية وحنان الأبوة.. وجمعتها والجيران كل مشاعر المودة والألفة
والعشرة الطيبة.
اختطف الموت شريك عمرها منذ عام.. ودعت فيه الطيبة وحسن المعاملة
واعتكفت علي رعاية ولديها في الكبر وأغلقت باب شقتها بعيدا عن الشر
وأربابه ولكن ماذا تفعل عندما يسعي إليها الشر بأقدامه.. هذا الشر يتمثل
في جارتها التي تقطن في شقة تعلو مسكنها وأقاربها في شقة أخري في المنزل.
لم تمض فترة الحداد علي زوجها وفوجئت برياح الشر وقد هبت من حولها من
الجارة الشريرة وأولادها الشبان اعتادوا التربص بولديها وإثارة الرعب
والفزع في قلبيهما ومضايقة والدتهما بإلقاء القمامة من شرفة مسكنها..
حاولت استجداء إنسانيتها ولكن لم تجد آذانا صاغية تمادت وأقاربها في
شرورهم وتناسوا حقوق الجوار التي حث عليها الرسول - صلي الله عليه وسلم -
عندما قال "مازال جبريل يوصيني بالجار حتي ظننت أنه سيورثه" حولوا حياة
الأرملة وولديها إلي مسلسل للمتاعب والمشاكل تلاحقم ليل نهار.. وجاءت
اللطمة الكبري ليلة ما اقتحمت جارة السوء وأولادها مسكنها التفوا حولها
وهي لا حول لها ولا قوة.. انهالوا عليها بالضرب المبرح بقسوة وعندما
أعلنتها صراحة وسط صرخاتها بإصرارها علي عدم ترك الشقة التي تأويها
وولديها من التشتت والضياع قاموا بإلقائها من النافذة وهرول الجيران وتوقف
المارة في الطريق التفوا حول الأرملة المقهورة والدماء تنزف من جسدها
بغزارة وسط صرخات الآلام وأسرعوا بنقلها إلي المستشفي.
ومع أذان الفجر.. فوجيء الشقيق الأكبر للأم المصابة التي تربت تحت
رعايته بابنها الأكبر يخبره عبر التليفون بالكارثة التي أصابت والدته..
هرول إلي المستشفي لتتسمر قدماه أمام شقيقته بين الحياة والموت فوق فراش
المستشفي ومن حولها الأطباء وقرروا بأنها مصابة بكسور في العمود الفقري
وسحجات وكدمات وكسور جسيمة بعظام جسدها وقام شقيقها بنقلها إلي مستشفي آخر
وحررت الشرطة محضرا بالحادث وأدلت المجني عليها بأقوالها في نبرة واهنة
بالواقعة البشعة وجبروت جارة الشر والسوء وأولادها.. أمرت النيابة بضبط
وإحضار المتهمين وتم القبض عليهم وأمرت بحبسهم أربعة أيام علي ذمة
التحقيقات ثم قرر قاضي المعارضات بإخلاء سبيلهم علي ذمة القضية.
صار الجيران وأهل الحي يتندرون من جبروت جارة السوء ومن بيهم من يضرب
كفا بكف ويتساءل إلي هذا الحد بلغ الشر مداه علي حساب أرملة وأبناء ضعفاء
لا حول لهم ولا قوة.