ألبومات جديدة في سوق السياسة المصرية

مواصفات وظيفة رئيس الجمهورية عند التجمع هي الرجل الدمث الأخلاق، والذي تحترمه وتحبه فصائل اليسار المختلفة. الذي يتحدث تاريخه السياسي أنه أخذ صف الديموقراطية منذ خمسين عام بالتمام والكمال أثناء أزمة مارس 1954، ودفع ثمنا لمواقفه تلك النفي عدة سنوات في سويسرا.

نعم، الأستاذ خالد محيي الدين شخصية يسارية محبوبة على مستوى اليسار المصري والعربي والعالمي، هذا صحيح... دمث الأخلاق، عف اللسان، منحدر من عائلة مرموقة في محافظة القليوبية، وابن عم البديل الذي طرحه عبد الناصر له عند تنحيه عقب نكسته في 67.

ولكن صمت التجمع عن الجمهورية البرلمانية، وصمته عن طرح صيغة لنظام جماعي مؤسسي لإدارة شئون الوطن والمواطنين مقابل الصيغة التي تطرحها الدولة، لحكم فرد كلي السلطات والصلاحيات، يعني أن التجمع يشارك في لعبة تحويل الانتخابات الرئاسية إلى مزاد على الأشخاص، الدولة تطرح نيو لوك شخص قوي سوبر، والتجمع يطرح نيو لوك شخص طيب ومحبوب! وكلاهما طاعن في السن، لا تقوى صحته على تحمل تبعات مسئوليات النظام الاستبدادي الأبوي.



وجاء النيولوك الثالث جديدا كل الجدة. الإخوان المسلمون!

مصر ترى مظاهرات للإخوان المسلمين مرة أخرى، كأوائل الخمسينات.

رأيناهم من قبل حضورا بشكل مراسمي في مظاهرات الحركة المصرية للتغيير المعروفة باسم "كفاية 24 سنة"، يرفعون أعلامهم. ورأيناهم في السنين القليلة الماضية ينظمون مظاهرات الطلبة الساخطة على اغتيال الشيخ ياسين أو المتضامنة مع انتفاضة الأقصى، دون الاشتراك في تجهيز القوافل لدعم الشعب الفلسطيني نفسه. كانوا يرفعون أعلامهم ولافتاتهم المعروفة. وكذلك كان لهم حضورهم في التحركات المناهضة للحرب على العراق، أيضا مقتصرين على الحضور فقط، دون الفعل السياسي، نفس مستوى الفعالية مع القضية الفلسطينية.

حدثت تطورات من قبل في خطابهم السياسي، لعل كان أكثرها أهمية مبادرة المرشد العام الجديد، التي اعترفت بالآليات الغربية لتداول السلطة، وإعلان احترامهم لها، مما أثار استغراب القوى العلمانية في مصر. ولكن الذي لم يستثير استغراب أحد هو تبني الإخوان للأجندة النيوليبرالية الداعية للخصخصة، واقتصاد السوق، ورفع يد الدولة عن دورها الاجتماعي بأي اسم ولو حتى من باب التكافل الاجتماعي، وخصخصة كل الخدمات الاجتماعية (التعليم والصحة والمياه والكهرباء والنقل) التي تستمد منها الدولة الاستبدادية الحالية شرعيتها. على أن كل ذلك لا يمكن اعتباره "نيولوك". كل ذلك تغيير حقيقي.

كان لمظاهرات الأربعاء والجمعة الماضيين دوي شديد في الحياة السياسية المصرية الراكدة. عديد من المدن المصرية يشهد مظاهرات تحمل الأجندة الداخلية، وبالتحديد قضية الحكم والديموقراطية، وعدد المتظاهرين بالآلاف. حقيقة تنفي سلبية الشارع المصري الذي يتقي بها اليسار المصري تلبسه بتسليم أجندته إما للدولة القومية المستبدة أو للتيارات القومية والدينية الفاشية.

كان أول رد فعل للإخوان على قرار مبارك بتعديل المادة 76، هو تأييدهم لترشيحه للرئاسة مقابل الاعتراف لهم بحزب – تصريح المرشد العام. طبعا، مقايضة لا يحرمها العرف ولا الشريعة. مقايضة لا تخرج عن سياق مبادرة المرشد العام التي ينادي فيها بالشراكة في السلطة وليس منافسة للاستيلاء عليها بالكامل.

وكان رد الرئاسة باردا وحاسما في الحلقة الثالثة من لقاء مبارك مع مدير دعايته الانتخابية: لا حزب ديني في مصر، وإنما مسموح لهم بالانضمام إلى أي من الأحزاب القائمة.

ساعتها اصطادت كوندوليسا رايس في الماء العكر، وصرحت للواشنطن بوست أن الإدارة الأمريكية تحب الديموقراطية حبا جما رغم علمها أن الديموقراطية في الشرق الأوسط تأتي بأناس لا تحبهم الإدارة الأمريكية: الإسلاميين!! وهي لا تمانع في ذلك إذا كان هذا ثمنا للديموقراطية!

رأى الإخوان الضوء الأخضر لامعا (ويبدو أن من رآه جيدا كان هو الصف الثاني الذي طال حرمانه من الظهور بسبب الشيوخ القابضين على الأمور وقد تصلبت شرايينهم)، وقرروا تصعيد الضغط منفردين، لا مع كفاية "24 سنة" ولا مع أحد آخر. وعلا الصوت بالمقايضة: الشرعية، وأنت الرئيس!!

خرجت المظاهرات لا تحمل شعاراتهم الفاشية التقليدية، وإنما تنادي بالإصلاح والديموقراطية بشكل حقيقي يتسع لهم، وتنادي برفع حالة الطوارئ، والضمانات بأن اللعبة لن تستثنيهم. هنا انضمت صفوف من الجماهير الصامتة. أكثر من عشر مدن، وأكثر من مائة الف متظاهر من الشعب العادي. تصريحات الإخوان عن معتقليهم كانت تذكر في مبدأ الأمر عدد من اعتقل من كوادرهم، واستفاقوا بعدها لتزيد الأعداد بعد أن أحسوا بالحرج فضموا إلى الأعداد الشعب العادي.

هنا سقطت كل أقنعة النيولوك. الرئيس المبادر بالإصلاح والديموقراطية لأول مرة في تاريخ الشعب المصري منذ الفراعنة، خلع الـ "نيولوك"، وتصدى للمظاهرات بالقمع، 200 أو 400 أو 2000 معتقل. وسقط شهيد، ولا نعرف كم من الجرحى. وظهرت الأنياب كاشفة.

ووصلت الرسالة للجميع! لعبة الديموقراطية القادمة يجب أن تكون بلا شعب. هذا السلاح غير مأمون استخدامه لأحد. وليفهم الجميع.

وصلت الرسالة وكان أول من وصلته هم الإخوان طبعا. وارتدوا النيولوك. لا يفيدهم أن يرتعب منهم أحد. وباتت لعبة الأمريكان مفهومة. قلاقل تصب في صالحهم ولا أحد يهم. ولسوف نرى تبعات المقامرة في الأيام القادمة...

عتاب الدولة كان واضحا، يقول الخبر من جريدة الحياة في 8 مايو 2005: اتهمت المذكرة العريان بأنه «روّج أفكاراً ودعايات مغرضة» هدفها «تحريض المواطنين على إجهاض نظام الحكم والثورة عليه وتكدير الأمن العام لزعزعة الاستقرار». وأشارت إلى أن «العريان لعب دور المحرك للتظاهرات التي نفذتها الجماعة في محافظات مختلفة» وانه «كلّف عناصر على التنظيم والترتيب للتظاهرات والتحايل على الإجراءات الأمنية».

وغضب الدولة وعدم غفرانها للزلة التي ارتكبها كائنا من كان من الإخوان كان أيضا واضحا، تقول نفس الجريدة: وحتى مساء أمس بلغ عدد الذين قررت النيابة حبسهم احتياطياً على ذمة التحقيق في القضية الرقم 604 الخاصة بالتظاهرات نحو 350 شخصاً بينهم القيادي البارز الدكتور عصام العريان. وبدأت النيابة مساء أمس التحقيق مع نحو 200 آخرين متهمين في القضية نفسها.

تأمل النيو لوك الذي ارتداه الإخوان للرد على الحكومة ومد حبل الود وطلب الصفح طلبا للعودة إلى مائدة المساومات المنعقدة حاليا لتقسيم الفتات الباقي من وليمة الغرب الرأسمالي والغير مضمون لأحد حتى الآن:

...قال [المرشد العام لـ«الإخوان المسلمين» محمد مهدي عاكف] لـ«الحياة» إنه ... سيكشف خططها [الجماعة] للمرحلة المقبلة في شأن المطالبة بتحقيق الإصلاح السياسي ومشاركة «الإخوان» في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

الحرس القديم من الإخوان برلمانيون لا يتطلعون لرئاسة الجمهورية، ولكنهم يصرون على المقايضة والدخول إلى الشرعية، فهي الحماية لهم من كونداليسا وصقور الإدارة وضمان الاستمرار، وهم يطلبون هذا الفضل من الدولة.

وقال رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان في البرلمان الدكتور محمد مرسي في بيانه (كلام نفس الجريدة) "...وحذر من «تكرار تلك التصرفات التي لا تفيد الممارسة الديموقراطية»... وأضاف ان «الإخوان يقدمون التضحيات من أجل وطنهم، وسيظلون على ذلك على رغم محاولة أجهزة الأمن إعاقة مسيرة الإخوان المطالبة بالتغيير والإصلاح، ولن يثنينا ذلك عن سعينا حتى نحصل على مطالبنا". هل عرفتم مطالب الإخوان؟ ليس القرآن دستورنا، ولكنها الآن الشرعية العلمانية!! والباقي الكل متفق عليه، اللعب مع الأجندة الرأسمالية النيوليبرالية، وليذهب الشعب إلى الجحيم.

... عضو مكتب الإرشاد في الجماعة محمد هلال الذي قال في كلمته التي ألقاها في منطقة المقابر (مشيعا للشهيد الراحل) إن «الظلم الذي تمارسه الدولة ضد الجماعة لن يفت في عضدها»، وإن الإخوان «باقون على موقفهم الرافض للحالة السياسية الراهنة، كما أنهم على مطالبهم بضرورة إصلاح سياسي حقيقي».

وأصدرت نقابة الأطباء أمس بياناً (الكلام للجريدة) أكدت فيه أن قرار القبض على أمين صندوق النقابة الدكتور عصام العريان في منزله وحبسه احتياطاً اسبوعين تحت ذمة التحقيق «اصابها بقلق وإحباط شديدين لأن الدكتور العريان من الشخصيات العامة المشهود لها بالاعتدال وهو صاحب فكر ورأي في شؤون الوطن، ولأن هذا الإجراء يعتبر نكسة في مسيرة الديموقراطية والإصلاح السياسي الذي يقوده باقتدار السيد رئيس الجمهورية».

وتقول الجريدة: سعى القطب البارز في جماعة «الإخوان المسلمين» الدكتور عصام العريان إلى إحراج الحكومة المصرية عندما فجر مفاجأته في التحقيقات التي أجرتها معه نيابة أمن الدولة وأعلن أن عملية القبض عليه جاءت «لحرمانه من ممارسة حقه الدستوري في الترشيح لانتخابات الرئاسة المقرر أن تجري في أيلول (سبتمبر) المقبل منافساً للرئيس حسني مبارك". (هل رأيتم خبرة ايمن نور ولكن هذه المرة، من يا ترى مع عصام العريان: مادلين أولبرايت أم كوندوليسا؟).

وسألت «الحياة» المرشد عاكف عن «مفاجأة العريان»، فرد قائلاً: «ربما كان يمزح»

وروى عاكف أن العريان كان يمزح في كلامه مع قادة الجماعة...؟ ثم تساءل: «كم سنة في السجن سأقضيها إذا أعلنت ترشيحي للانتخابات الرئاسية؟»، وأبدى عاكف دهشته من تصرف العريان، وقال «هو مسؤول عن كلامه ولا شأن لنا به لكني أعتقد أنه لم يكن كلاماً جاداً».



رغم كل الأقنعة التي يلبسها أهل حرفة السياسة في مصر وهم يمزحون، باختلاف تلاوينهم، فعند رفع شعارات حقيقية يستجيب الناس، حتى ليسقط الشهداء. وما حدث هو تطور في اتجاه لا بد وأنه سيتميز ويبرز مع الأيام ومع التجربة، ليؤد في النهاية لاستلام الشعب لمقدراته بين يديه. قديما قال السيد المسيح: "ماذا يكسب الإنسان إذا ربح العالم وخسر نفسه؟"

لا واللهى موضوع حلو

شكرا

لا تعليق

موضوع متميز لمشرفه مميزه بجد موضوع هايل رغم انه طويل بس هى السياسه كده وبجد بشكرك على الموضوع وعلى المجهود

لا واللهى موضوع حلو

شكرا