ترددت كثيراً قبل أن يدع قلمى وصاده ليخطو تلك الخطوات الثقيلة المفعمة بالتردد قبل أن يطأ سنة تلك الصفحة البيضاء.
لم يكن التردد عنواناً ولا نهجاً لحياتى من قبل، ببساطة لأننى اعتدت أن يبوح قلمى بكل ما أريد مهما كان ذلك الأمر. لعلك تتساءل عن سر هذا التردد؟ أو لعلك توقفت عند تلك الكلمة ولن تكمل بعدها حرفاً واحداً؟
إن لم تستمر فهذا شأنك، وإن استمريت فهذا يعنى أنك قادر على التحرر من أسر التردد ومن هواجس المئات من الصفحات المظلمة التى قرأتها من قبل وربما سطرتها أنت بيدك لتحياها.
عجيبة هى تلك الحياة، نقحم إليها لنسعد أو لنشقى، الشقاء موجود و السعادة موجودة، الأكيد أن السعادة والشقاء يتراوحان بين بشر و آخر.
فتخيل سعادة أسرة فقيرة من خمسة أفراد قد سقط منزلهم وكان مصيرهم الشارع سنوات إلا أن توفر المأوى لهم، تلك الشقة الصغيرة ذات الغرفة الواحدة.
هل تلك الشقة نفسها ستكون مصدر سعادة لأسرة أخرى خسرت تجارتها وكل أموالها و أجبرتها الديون على دع حياة القصور والحياة فى نفس ذات الشقة؟ من المؤكد لا فما سر ذلك؟
السر يكمن فى أن النسبية تحكم كل شىء، لذا فلا أناس أشقياء ولا أناس سعداء، بل هو نهر الحياة بين تلك الجزيرتين، نهر يمر بأطوار عدة، قد يكون نصفها شقاء ونصفها الآخر سعادة، وربما يطغى طور على طور فنتوهم ذاك شقى وذاك سعيد. يبدو أن النسبية تتسع لآفاق أوسع من ذلك، فمصدر السعادة يختلف.
فذاك سعادته فى المال، وذاك الحب، وذاك فى الولد الصالح، وآخر فى الشهرة، وآخر فى رضا الله وعبادته وكثير لا يطبقون النسبية بل يفضلون الشمولية، فالسعادة عندهم هى تلك المظاهر جمعاء وبدون أحدهم لا سعادة فى تلك الحياة، فسيظل النهر فى الفيضان إلى أن يقزف بهم فى جزيرة الشقاء. عجباً لأمرهم، وهل قدموا شيئاً لنيل السعادة؟!!
الطريق إلى جزيرة السعادة ليس طويلاً كما يعتقد البعض، وليس صعباً كما تعتقد الأغلبية وليس مستحيلاً كما يعتقد السواد الأعظم من البشر.
فالسعادة تبدأ من داخلك ومن داخلى ومن داخل من حولنا، فالسعادة تتجسد أمامنا كثيراً ولكننا نضيع الفرص لنحياها عبر نسج خيوط اللا ممكن التى صارت تحيط بنا من كل اتجاه لتتسع الشرنقة يوماً بعد يوم لتضم لحاويتها أناس جدد آمنوا باللا ممكن.
فكل الأشياء فى نطاق الممكن، فقط ضع حلمك وصمم عليه، ادرس عالمك ومحيط مجتمعك ثق فى قدراتك مهما كانت متواضعة من وجهة نظرك، وتحدى كل شىء فى سبيل تحقيق حلمك، واعلم أن حبر الواقع كثيرا ما ينضح على صفحة الأحلام البيضاء، ولكن تذكر دائماً أن الحياة ليست صفحةً واحدةً بل هى صفحات وصفحات من الأحلام، كل ما عليك فعله هو أن لا تتردد وأن تتغلب على هاجس اللا ممكن وتقلب الصفحة لتفتح صفحة جديدة من صفحات الأحلام البيضاء، وإن نضح حبر الواقع من جديد فتذكر مازال فى الحياة صفحات وصفحات بيضاء.
ربما كانت تلك الصفحة هى إحدى صفحاتى البيضاء التى أملت أن تشاركنى إياها فأتمنى أن تكون قد قهرت شبح التردد وأكملتها قبل أن يفيض بك النهر إلى جزيرة الشقاء.