يعتبر «محمود ياسين» ـ الذي أحبه وأحترمه ـ هو أكثر الفنانين مشاركة في حرب
أكتوبر، شارك «محمود ياسين» في الحرب ست مرات دون أن يصاب بسوء يذكر، في
حين استشهد كل من «أحمد زكي» في «العمر لحظة» و«السيد راضي» و«محمد صبحي»
في «أبناء الصمت» وأصيب «محمود عبدالعزيز» بشلل نصفي في «حتي آخر العمر».
كان
«محمود ياسين» نموذجاً للجندي السينمائي، حيث لم يحافظ علي المظهر
التقليدي المتقشف للجندي المصري، فقد خاض «محمود ياسين» الحرب ست مرات
بشعره المصفف وسوالفه العريضة كاملة، بذقن حليقة والبيادة التي تلمع كمرآة
والزي العسكري ـ اللي لسه جاي من الدراي كلين ـ والأكمام المطوية بعناية
وساعة اليد البراقة ـ ماكنش ناقصه غير نضارة شمس ووكمن.
المهم..
كانت أفلام أكتوبر أحد مصادر البهجة في طفولتي، وكان يوم الإجازة يعني
أولاً الاستماع لأغنية «محافظتي الشرقية ومدرستي بحر البقر الابتدائية»
التي يغنيها الأطفال في العمر لحظة «كلمات فؤاد حداد وألحان بليغ حمدي»،
والاستماع لموسيقي «عمر خورشيد» المميزة كخلفية لمشاهد العبور في «الرصاصة
لاتزال في جيبي»، والمشهد الذي يقوم فيه الجنود بشق سواعدهم بسونكي
البندقية ليكتبوا بدمائهم علي العلم كلمتي «الله أكبر».. كدت أفعلها في مرة
لكنني لم أجد علماً في المنزل «أحتفظ الآن بعلم كبير في شقتي لاستخدامه في
مباريات المنتخب».
وهكذا كانت ثقافتي عن حرب أكتوبر طوال فترة
الطفولة والمراهقة لا تتجاوز عدة مشاهد سينمائية لطائرات حربية متشابهة
تقلع من مكان مجهول، وعدة مدافع متراصة في طابور في قلب الصحراء تطلق
نيرانها بالترتيب، وجندي مصري يفتح سقف دبابة إسرائيلية ليلقي بداخلها
قنبلة، وزوارق مطاطية تعبر القناة، وسلالم من الحبال، كانت ثقافتي عن حرب
أكتوبر تتضمن أيضاً المشهد الذي ترقص فيه «نبيلة عبيد» لـ«أحمد مظهر» في
«العمر لحظة» واللقطة التي يتحول فيها «مجدي وهبة» من نشال إلي مواطن شريف
بعد اشتراكه في الحرب في «بدور» ومحاولة اغتصاب «نجوي إبراهيم» في «الرصاصة
لاتزال في جيبي».
لم يكن هناك ذكر للرئيس «السادات» أو المشير
«أحمد إسماعيل» أو الشهيد «عبدالمنعم رياض» أو ثغرة الدفرسوار، بكل ما فيها
من دراما، أو المهندس العبقري صاحب فكرة تحطيم خط بارليف بخراطيم الماء
«بالمناسبة الفكرة مستوحاة مع الفارق في التشبيه من ألعاب الطفولة عندما
كنا نقيم علي الشاطئ في المصيف تكوينات رملية ثم نهدمها بأن ـ نعمل بي بي
عليها ـ مستمتعين بقدرة الماء الخارج منا علي اختراق هذه الكتل الرملية»
هذا لا ينفي أنني فخور بأهم إنجاز مصري في التاريخ الحديث، ولكنني أردت أن
أؤكد أن عبقرية الفكرة التي أذهلت العالم كانت تكمن في بساطتها.
المهم..
عندما كبرت عرفت أشياء كثيرة أهم عن حرب أكتوبر غير التي قدمتها لنا
السينما بسذاجة تشبه سذاجة حملة الضرائب الأخيرة، حدث هذا بحكم مهنتي ولكن
وحتي يومنا هذا مازالت هذه الأفلام هي مصدر المعرفة الوحيد لكثيرين من
الأجيال الجديدة لكل ما يتعلق بأكتوبر، ومع انحسار القراءة «رغم إنها
للجميع» وانقراض متعة البحث والمعرفة والاستسلام للفضائيات، كل ما أخشاه أن
نري هذه الأجيال الجديدة بعد سنوات تتحدث عن حرب أكتوبر وهي تقول بثقة
مطلقة إن الجيش عبر القناة علي إيقاع هتاف الله أكبر وموسيقي عمر خورشيد،
وإن القوات المسلحة المصرية خاضت الحرب تحت قيادة الفنان «محمود ياسين»،
بينما كان الجيش الإسرائيلي بقيادة الفنان «محيي إسماعيل».