لا أعرف سبباً لعبوس معظم المسلمين الذين أراهم، وبخاصة بعد الصلاة، فقد يظن البعض
منهم أن الوقار هو (التكشيرة) والخشوع هو (ضرب البوز) رغم أن الرسول -صلى الله عليه
وسلم- كان وقوراً، ومع ذلك لم ينقل عنه أنه كان عابساً طوال الوقت بل كان مبتسماً
في أغلب الأوقات، وكان كما روي عنه أنه "أكثر الناس تبسماً"، وهو ما يتفق مع حديثه
الشهير "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، كما روي عنه أنه قال "روِّحوا عن القلوب فإن
القلوب إذا كلّت عمِيت".
مجموعة من المواقف عن رسول الله التي تبين روحة
الطيبة وخفة دمة...
ذات مرة مثلاً كان النبي عليه الصلاة والسلام يمشي في
السوق ، وإذا به -صلى الله عليه وسلم- يغافل أحد الصحابة وهو "زاهر بن حرام
الأشجعي"، ويحتضنه من الخلف دون أن يكشف عن شخصيته، ثم رفعه النبي عن الأرض في مرح
و"زاهر" يحاول التملص وحين التفت ليجد أنه الرسول فرح بمداعبته، ورفع "محمد" –صلى
الله عليه وسلم– صوته وهو يقول ممازحاً وممسكاً بـ"زاهر" وسط السوق: "من يشتري هذا
العبد؟ من يشتري هذا العبد؟ وسط جو من المرح وضحكات الصحابة الكرام وحين قال
"زاهر": يا رسول الله "أتجدني كاسدا" -أي لن أباع كالبضاعة الكاسدة- قال المصطفى
عليه الصلاة والسلام: ولكنك عند الله لست بكاسد.
..قصة شهيرة يعلمها معظمنا
عن السيدة العجوز التي جاءت للنبي كي يدعو لها بدخول الجنة فرد عليها ممازحاً "لا
تدخل الجنة عجوز"، وحين بكت المرأة دعاها ثم قال لها: أما سمعتِ قول الله تعالى
"إنا أنشأناهن إنشاءا فجعلناهن أبكارا"، ووضّح لها أنها لن تكون عجوزاً حين تدخل
الجنة.
.. هناك أيضاً المداعبات بينه وبين الإمام "علي بن أبي طالب" رضي
الله عنه حين كانا يأكلان تمراً، فغافل "عليّ" النبي صلى الله عليه وسلم ووضع أمامه
كل النوى وقال ممازحاً: أأكلت كل هذا يا رسول الله؟ فرد النبي حاضر البديهة فيما
معناه: أنا أكلت البلح فقط بينما أنت أكلت البلح بنواه!!
وكان الرسول عليه
الصلاة والسلام يحب أيضاً مزاح الأطفال، وقد روي عنه أنه قال: "من كان له صبيّ
فليتصابى له"...
على أن الصحابة أنفسهم كانت لهم من المواقف مع بعضهم
البعض ما يجعل النبي عليه الصلاة والسلام يضحك، وكان يتقبل دعاباتهم ويبادلهم
إياها، ولعل من أشهرهم "نعيمان بن عمرو الأنصاري" الذي أهدى للنبي ذات مرة جرّة عسل
اشتراها له من أحد الأعراب (أو هكذا ظن النبي في البداية) وبعد تقسيم الرسول للعسل
على أهل بيته وجلسائه من الصحابة فوجئ بأعرابي يطلب منه ثمن الجرة، فعرف الرسول أنه
مقلب من مقالب "نعيمان" الذي قال له إنه كان يريد أن يهاديه ولم يكن معه نقود
فأهداه الجرة على أن يدفع الرسول ثمنها.
لكن أشهر مقالب "نعيمان" والتي ظلت تضحك
النبي لعام كامل، حينما خرج "نعيمان" مع "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه إلى
التجارة، وكان من ضمن من خرجوا أيضاً في نفس الرحلة "سويبط القرشيّ" الذي منع الزاد
عن "نعيمان" أثناء غياب "أبو بكر" ربما ظناً منه أن في الأمر مقلب من مقالب
"نعيمان"، لكن هذا الأخير قرر إزاء هذا أن يدبر مقلباً لـ"سويبط" فذهب إلى السوق
وأوهم بعض التجار أن "سويبط" عبده، وأنه يريد أن يبيعه، وحذرهم من أن يصدقوه إن قال
لهم عكس ذلك وأنكر، وتمت الصفقة بعشرة من الإبل، ولم يستجب "نعيمان" لرجاء "سويبط"
بأن يخبر التجار بالحقيقة، وعندما عاد "أبو بكر" رضي الله عنه وعرف ما حدث أسرع وهو
لا يستطيع إمساك نفسه عن الضحك، وأعاد الإبل إلى التجار ليستعيد "سويبط" مرة أخرى،
وحين عاد الجميع إلى المدينة وحكوا للنبي ظل يضحك كثيراً وكان عليه الصلاة والسلام
إذا قابل "نعيمان" بعدها سأله أن يقص عليه الواقعة من جديد ليضحك من جديد.