العازب.. إسكندراني لا يجيد العوم.. مصور محترف لا يجيد تركيب الفيلم في الكاميرا..
السكر في الثلاجة.. براد الشاي في غرفة النوم.. النوم والتليفزيون مفتوح.. النوم
الذي يقلده المهرجون والقرود.. الأحلام والألقاب مكتوبة علي الحائط.. أشعار صلاح
جاهين مثبتة علي زجاج الشباك.. صورة بالألوان الطبيعية لسعاد حسني.. وفوق السرير
بوستر لأنغام.. عايز شقة مفروشة جديدة بالتليفون.. كبسة من البلد «الأقارب
كالعقارب».. رصّة الكتب إلي جوار الأباجورة.. الحذاء في البلكونة.. نسخة «البلاي
بوي» أتلفتها أيدي الأصدقاء.. الثلاجة عطلانه.. الحوض مسدود.. الحنفية بتنقط..
الأنبوبة فضيت.. لمبة المطبخ اتحرقت.. الصابون خلص.. مافيش سكر.. تليفون البيت
عطلان.. «أحسن»!
> في أفراح العائلة..
نجم، في مشاكل أصدقائه الزوجية.. حكم، في التجمعات التي يكثر فيها الأزواج.. فاكهة،
في البيت مجرد علبة بيروسول.. في الموبايل «ألو يا بابا.. لا أنا كويس.. بس شوية
مشاكل في الشغل».
> العازب.. ملك
المعلبات والأطعمة المحفوظة، كبحار متعة الطعام لديه مؤجلة إلي حين، حتي الوجبات
التي يجيد طهوها تدعو للتعاطف.. إسكالوب بانيه.. سلطة بطاطس.. مكرونة إسباجيتي
بالتونة.. وسلطة الفواكه بالطبع ليس هناك ما هو أسهل منها. الشك يسيطر عليه في كل
مرة يفتح فيها باب الثلاجة ويمد يده لشيء ما بداخلها ويشمه بحذر شديد وهو يردد
الجملة التقليدية «شكلها باظت».. ثم يمد يده بالطبق أو العلبة لصديقه «خد شم كده يا
حاتم.. باظت صح؟!». الطعام مشكلة يومية وسؤاله الوجودي الذي يستهلك وقتًا ومجهوداً
ومشاورات في كل مرة يُطرح فيها هو «هناكل إيه؟».. أصدقاؤه الأعزاء المطاعم
جميعها.
> البقال يعرف طلباته جيداً
«لو سمحت 10 بيضات وربع رومي قديمة ومخلل وعلبة سجاير».. وكمان «باكو شاي وكيس
سكر».. ممكن لو سمحت كمان كيس مسحوق غسيل!
> الجيران كلهم يسمعونه وهو يغسل الأطباق والأكواب ويغني
صادحاً «أنا قلبي برج حمام هجّ الحمام مُنهُ».
> العازب.. حريقة دخان «يعني مين هيقول له بطّل؟».. وكل
الأشياء في منزله تصلح طفاية «الأكواب، الأطباق، الصينية، البلكونة».. يدخن في كل
أركان البيت كالمجنون وكأنه تنين خرافي يعلن عن سيطرته علي
المكان.
> ومع أول نوبة اكتئاب يهب
المارد بالشورت لمواجهة القذارة المنتشرة في المكان، يبدأ بالمطبخ حيث يتخلص من كل
الأطعمة أو الفاكهة الفاسدة الموجودة في ثلاجته ويجمع علب العصير الفارغة وزجاجات
الكولا البلاستيكية وقشر البيض وحبات الليمون المتكلسة وبواقي الخبز في كيس كبير
للقمامة ثم يغسل الأواني كلها ثم سطح البوتاجاز، وإلي غرفة النوم حيث تغيير الملاية
وكيس المخدة وإزالة الأتربة وصحف الأسابيع الماضية وأكواب الشاي الموجودة خلف
السرير ثم إزاحة السجادة مع قليل من الكنس والمسح، ومن غرفة النوم إلي الحمام حيث
زجاجات الشامبو الفارغة وأنبوبة معجون الأسنان التي أصبحت قوقعة حلزونية ويملأ أكبر
حلة طهي بالماء ويسكبها في أرضية البلكونة ويتركها لتجف وحدها، وعندما يشعر أن بيته
أصبح أنظف من البيت الأبيض، يضع فيشة السخان ويأخذ الدش المحترم ويشعل عود بخور
ويجلس بكوب الشاي والسيجارة أمام التليفزيون وهو يقول لنفسه «والله الستات
بتتعب».
> سهرة العازب صيفاً في
البلكونة بالشورت والتيشيرت ومّج النسكافيه وسؤال كلاسيكي «فيه إيه النهاردة في
التليفزيون؟!».. والشتاء يحب السهرات المغلقة حيث الأصدقاء ودخان السجائر وحوارات
تبحث عن إجابات جديدة لأسئلة قديمة من نوعية «البنات عايزه
إيه؟».
> يتوقع العازب دومًا مكالمة
تليفونية بعد الرابعة صباحاً من صديق أو صديقة ليقتسما الوحدة والأرق بكلام خليط من
الهزار والجد والتخريف وافتعال مشاجرة أو خلاف في وجهات النظر حول أتفه الأشياء،
حوارات لا تخلو من النميمة والاعتراف بالأخطاء وكشف أسرار حوادث قديمة وتحليل نفسية
الأصدقاء المشتركين وتصريحات ضخمة من نوعية «إنت عارف إنت عيبك
إيه؟!».
> يبحث العازب قبل النوم عن
أسماء لامعة كانت العزوبية مصيرهم المحتوم ويتأمل ما يعرفه عن سيرهم الذاتية.. عباس
العقاد، كامل الشناوي، عبد الحليم حافظ، زكي رستم، د. يوسف والي، ضياء الدين داوود،
كابتن ميمي الشربيني!
> العازب.. هدف
سهل ومكشوف في عمارة كلها عائلات، بنت الجيران أرق ما يمكن أن يبدأ به يومه يراها
خارجاً من باب العمارة وهي عائدة من مدرستها تبتسم بخجل، ووجه جاره المُسن البشوش
وهو متجه لصلاة الفجر في الجامع أصدق ما يراه عند عودته لبيته فجراً، وجه يُلخص
العالم في وقار ويبعث علي السعادة والحزن في آن واحد. وما بين الوجهين يلتقي العازب
دومًا البواب أو صاحب العمارة وساعتها لابد من حوار يقصر أو يطول حول دبدبة أصدقاء
العازب وهم يغادرون شقته فجراً، أو الحمام الذي أفسد سقف صالة الجيران، أو أهمية
التأكد من إغلاق باب الأسانسير عند استخدامه، أو إيجار الشهر الجديد، أو فلوس
الجراج، أو ضرورة حضور اجتماع اتحاد الُملاك، أو عن أهمية
الزواج.
> العازب.. يحفظ أطفال البواب
اسمه بسهولة، فهم لا يدخلون في العمارة إلا شقته حيث يقدم لهم الفاكهة والحلوي وما
تيسر من «الفكة».. ويسمح لهم بالجلوس لمشاهدة كليب نانسي عجرم، ويتابع ابتساماتهم
الطفولية عندما تمسك نانسي بالفأر بين يديها، وعندما ينتهي الكليب ويهم الأطفال
بالانصراف يمسك العازب بالريموت كنترول بسرعة وهو يسألهم بحماس «تتفرجوا علي
كارتون؟