عرض الله أمانة
الحياة علي الجبال فاعتذرت عن عدم قبولها، من المؤكد أن الجبال قد اعتذرت بأدب وإلا
لكان الله استبدل بها رواسي من نوع آخر. الأدب هو الذي جعل الله يتقبل اندهاش
الملائكة من فكرة خلق الإنسان الذي سينشر الدماء والخراب، بينما هم متفرغون للتسبيح
علي أكمل وجه(كانوا يرون في أنفسهم أفضلية ما)، بينما سوء الأدب هو الذي جعل الله
يخسف بإبليس الأرض عندما أبدي اعتراضاً مشابهًا في الموضوع
نفسه.
عودة إلي الجبال التي رأت
أن أمانة الحياة ثقيلة فاعتذرت عن عدم قبولها وقبلها الإنسان بكل ما فيه من اندفاع
وجهل، ليكتشف بمرور الوقت أن الحياة صعبة بالفعل وتحتاج لأن يكون الواحد «خمسين
واحد في بعض» حتي يستطيع أن يؤدي المطلوب منه.
واحد متفرغ للتفكير بكل أشكاله..التفكير في حكمة الوجود وفي
التخطيط للمستقبل والتعلم من الأخطاء والبحث عن الحلول وتقييم الناس المحيطين به
لتحديد الطريقة الأمثل لمعاملتهم، وواحد متفرغ لملف أكل العيش والسعي علي الرزق،
وواحد متفرغ للعبادة (يفضل أن يكونوا اثنين واحدا للعبادات كلها وواحدا لعبادة
الصبر فقط)، وواحد متفرغ للتوبة عن الذنوب المتكررة، وواحد متفرغ للذنوب أصلا،
وواحد متفرغ لمتابعة ملف الصحة والمرض والتحاليل وزيارة الأطباء واللف علي
المستشفيات والرقود في الفراش، وواحد متفرغ لملف الدور الاجتماعي في العزاء
والأفراح وأعياد الميلاد وكل ما يستوجب منه مشاركة الناس، وواحد متفرغ للأعمال
الروتينية التي تسرق الوقت والجهد مثل إصدار جواز سفر أو تجديد رخصة السيارة أو
توصيل عداد الكهرباء أو إصلاح السباكة أو متابعة البريد الإلكتروني وحساب الفيس بوك
أو تغيير زيت الموتور أو غسل «الإيدين» كل ساعتين بالماء والصابون حسب توصيات وزارة
الصحة. واحد متفرغ للبحث عن زوجة، وما إن يجدها حتي يتفرغ للبحث عن شقة، ثم يتفرغ
لمتابعة النقاشين، ثم يعود فيتفرغ للزوجة، بعدها سيكون محتاجا لواحد متفرغ لتربية
العيال ومراقبتهم وحمايتهم وحل مشاكلهم، وواحد متفرغ للاستمتاع بالحياة دون أن
يعوقه عن ذلك التفكير في رصيد أجازاته السنوية أو أي تقصير في الميزانية أو أي
ارتباطات عائلية، وواحد متفرغ لمتابعة حقه في المحاكم، وواحد متفرغ لصلة الرحم،
وواحد متفرغ للبحث عن ركنة للعربية، وواحد متفرغ للمصائب والابتلاءات، وواحد متفرغ
للشوبنج، وواحد احتياطي.
من حقك عزيزي القارئ أن تفخر بنفسك وأن تراها أقوي وأكثر صلابة من
أي جبل في العالم (كلمني عن جبل ممكن يستحمل مشوار علي يومين ورا بعض في الشهر
العقاري). من حقك أن تقارن نفسك بالجبال فتري نفسك أكثر تحملاً وأخف دماً وأقدر علي
الحركة والمغامرة وتحسين الحياة والتحايل علي المعوقات والتعامل مع الأخطار. الله
يعلم ذلك من قبل أن يعرض الأمانة علي الجبال؛ ولأن الله رحيم فقد منحك عندما خلقك
ما لم يمنحه للجبال، منحك ما يجعلك أقوي من الجبال، منحك - وكما يفعل المحبون -
قطعة من روحه