لو كان لي أن أختار بديلا للنسر الذي يتوسط علمنا (والذي يفترض في لوجو العلم أن
يعبر عن شيء يوجد في مصر فقط ) فلن أضع الأهرامات لأنها أصبحت شعار جريدة تنشر
أسماء المسئولين في صفحتها الأولي وتنشر أسماء الشعب في صفحة الوفيات، ولن أضع أبو
الهول؛ لأنه شعار محافظة الجيزة، ولن أضع أبوتريكة فحسن شحاتة أولي، ولن أضع أقراص
الطعمية لأنه في غفلة منا لم نحاسب عليها أحدًا استطاعت إسرائيل أن تسجل الطعمية
باسمها في موسوعة الأكلات العالمية (ده بجد مش هزار)، لن أضع وجه السلعوة التي ظهرت
عندنا فقط، حيث اهتزت صورتها كثيرًا بعد أن استطاعت سيدة صعيدية أن تقتل سلعوة ضالة
خنقًا بيديها فاختفت من بعدها السلالة كلها، لكنني سأختار بلا تردد (سلِّم
الخدامين)، هذا السلِّم الخلفي الموجود في كثير من العمارات القديمة بمنطقة وسط
البلد بديلا للسلِّم الشرعي الرئيسي، عند بداية ظهوره كان الهدف منه أن يستخدمه
جامعو القمامة والمكوجية وبائعو اللبن والخبز والشغالات، وبمرور الوقت أصبح الطريق
المعتمد لكل من هو ملتف علي الأصول أو باحث عن شيء لا يحق له ..لصوص الشقق علي سبيل
المثال أو العشاق الذين يتسللون إلي فراش النساء الخائنات بعيدا عن أعين
البوابين.
سلِّم الخدامين الخلفي المظلم الملتف الذي يندر أن تجد شخصًا
يحرسه أصبح فلسفة الحياة في مصر، هناك من لجأ إلي السلِّم الخلفي، لأنه لا يوجد
سلِّم آخر واضح، لكن الأغلبية تلجأ إليه لأنها سيئة النية وعارفة إنها بتعمل حاجة
غلط، شخص يريد أن يستخرج شهادة مخالفات لتجديد رخصة سيارته لابد له من «سلِّم خلفي»
يقلل حجم الغرامات إلي أكثر من الربع ويسلِّمها له خالصة مخلصة دون أن يتكبد مشقة
صعود السلِّم الطبيعي، خريج شاب كله طموح ورغبة في الحياة يبحث عن الوظيفة التي
يحلم بها لابد له من سلِّم خلفي اسمه عضو مجلس الشعب عن الدائرة يتقاضي المقابل
الذي يسمح له بالحصول للشاب علي الوظيفة عبر سلِّم خدامين آخر في المكان الذي
سيمنحه الوظيفة، فتاة تحلم بالشهرة والنجومية وتحقيق حلم التمثيل لابد لها من سلِّم
خلفي يمر بحفلات وسهرات وعلاقات غير بريئة، والبلد يبحث عن تمويل فلا يسلك سلِّم
المشروعات والعمل الجاد الطبيعي لكنه يسلك سلِّم الخدامين فيمرر قوانين تضخ له
احتياجاته سواء حقيبة الإسعافات الأولية أو الضريبة العقارية أو تجديد بطاقة الرقم
القومي كل فترة بحجة أن ملامح الإنسان تتغير (التجديد يكلف الفرد مبلغًا قد يصل إلي
100 جنيه ..اضرب في 80 مليونا)، تفشل الحكومة في إقناع الشعب بفكرة الجدار الفولاذي
فتسعي لإقناعه باستخدام الدين كسلِّم خلفي بإصدار فتوي تجعل الجدار واجبًا وطنيًا
قد يتحول بمرور الوقت إلي مزار ديني، عدد غير قليل من النواب وصلوا إلي مقاعدهم عبر
سلِّم خدامين نعرفه جميعًا، الباحثون عن الثروة يمرون بسلِّم خدامين الفساد والغش،
الباحثون عن نزوة لا تؤرق ضمائرهم يمرون باتجاهها علي سلِّم خدامين المسيار وما
شابهها من فتاوي، حتي مستقبل الرئاسة في مصر لا يسير في طريق طبيعي لكنه يمر بسلِّم
خدامين كبير اسمه المادة مش عارف كام وسبعين.
المجتمع نتيجة أفكاره، ونحن
نتبني منذ فترة فكر سلِّم الخدامين والنتيجة أنه لم يعد هناك طريق واضح يمكنك أن
تسلكه حتي النهاية فتصل إلي حقك أو علي الأقل تحقق ما تحلم به، جزء من خيبتنا يكمن
في وجود هذا السلِّم، قد يري البعض أن إزالة هذا السلِّم تبدو مهمة مستحيلة،
والحقيقة أننا لا نحتاج لإزالته...كفاية بس تنوروه