لن أبيع بلادي

موضوع: لن أبيع بلادي 2009-09-30, 7:50 pm

ساقته قدماه إلي بلاد بعيدة . لطالما جاهد وأحتمل الصعاب في الوصول إليها . دوافعه القوية وآماله العراض تملا ذاته حتي النهاية جعلت منه أن يحتمل الكثير وليس ذلك فحسب . بل الأقاصيص العجيبة التي تنسج وتحاك في قالباً لا يقبل الخيال عن نعيم مترف وترياق يشفي كل أمراض الشقاء والفاقة والشظف الذي أحاط نفس قدّر لها الله فقر مدقع هي أيضاً أذكت ذاك التصميم وتلك الإرادة . وصل وليس مهماً كيف !!!!0

وجد نفسه في مزرعة خنازير ضمن مجموعة آخرى من بلاد الله . لايحمل مؤهل يؤهله لغير هذه المهنة الرخيصة . تنظيف الروث ولو بأسلوب أكثر حداثة . ولم لا . هو أيضاً مجرد خنزير في مفاهيم آخرين طالما لا يفقه من حداثتهم شيء . الآن بات في لجّة الظلمة الحالكة . ما بين قريته وهذه المزرعة النتنة قدراً يلفّه الغيب العجيب . سيصبر ويحتمل طالما مصيره كله بيد ملكوت أخرج ذات يوم عبداً من بطن حوت في لجّة ظلمات ثلاث . سيعود لقريته الحالمة إن قدّر له ذلك . وليس بفعل بشر بل بإرادة رب بشر .

توالت الأيام . لكنها حاكت بين طياتها أحداث متعددة الصوّر والألوان . أضحت نقاط بارزة في تاريخ حياته . تآلف مع مشاهدها قصراً وأحيان بإرادة . والحياة في الواقع تمضي دون أن تلقي بال لركاب سفينتها . يغرق آخر وينجو ثان . الآن بات يمضغ الأنكليزية كما يمضغ طفل هجاء الكلام .هي هنا الكلام ذاته ولا كلام سواها . أندمج . باتت حتي الخصوصية تخترقها أحياناً مفاهيم جديدة وأسس . عليه هضمها والتكيًف تحت سلطتها الثقافية المقدسة . أضحى أقتطاع وقت من العمل لأكتشاف معالم الشارع الجديد والولوج لعمقه جزء معتاد ومحبب . كسب أصدقاء بينهم بني جلدته . فرح وسعد وحتي أغتبط . عدّها إنجاز عظيم ضمن مفاهيم سامية وخلاّقة تنحصر في بوتقة مبادىء وقيّم . بينما عدّها آخرون مجرد مصالح . مصالح ليس إلا . تقّرب أكثر . قفز دفعة واحدة من المزرعة النتنة إلي بناية شاهقة تتوسط المدينة الراقية . مبهجة بالترف تتغامز ثرياتها وتتلألأ في تناقم بديع . تتزاحم المقاعد الفاخرة ناعمة وثيرة في كل أركانها وحتى المداخل . وخطوط دقيقة تتراص عبر أركانها تنثر نفحات باردة ودافئة تارة أخرى . تستفز الطفس وتروّضه رغم أنفه . هنا عليه أن يعتاد إرتداء بذلة باهظة الثمن وإتقان ربطة العنق . رغم أنه ليس سوى عامل تنظيف . الناس داخل أركان هذه البناية عالم صغير وينبغي أن توحي شخصيات أفراده بالأبهة الممتزجة بالثقافة العالية . بل القفز فوق العصر برمّته . وهو أضخى واحداً منهم . ضمن كوكبته السعيدة . هو تشكلت ذاته في صورتان متناقضتان . وعرف بل وتفنن كيف يلعب الدور داخل الصورتان على حدا . المظهر شخصية ذكية ولبقة ولمّاحة تعرف كيف تقبض مفاتح الحياة الجديدة لإصتياد الغاية المنشودة والعودة من حيث أتى . والجوهر شخصية مدفونة في عمق رمال القرية الوديعة التي ترقد حالمة على صدر الوطن الأكثر قداسة بعد الخالق مباشرة . هنالك يحّس أنه سيد الدنيا وليس عبدها . بينما هنا مجرد لعبة في أيدي أناس يجتهدون كثيراً في محاولة صقل أفكاره وإنتاجها كمعلومات تفضي إلي مادة حيّة دامغة الحجة باهظة الثمن . كثرت معارفه بشكل ملحوظ وفي فترة وجيزة . أحسّ أنّ جميع من تودد إليه وسعى لكسب وده هم أناس من صفوت الشارع ومؤثريه . لاحظ الجميع يلحّ في معرفة أدق أسرار حياته وفي جميع تفاصيلها . بما في ذلك توجهاته ومبادءه ورآه . بل الأدهى من ذلك الإلحاح عليه في تصوير وطنه ومقارنته بالواقع الذي يعيشه اللحظة . مع تقليب القرائن والحجج والقفز فوق الأسباب والمسببات . تفاجأ حين علم أنّ البعض من بني جلدته يحثه في عناد ممزوج رغبة ضاريه في تلفيق حكايات وأحداث من صميم الخيال . تطعن وطنه في مقتل . هو يؤمن في أعماقة أنّ الوطن ينبغي أن يكون خارج لعب بنيه علي إختلاف مشاربهم وأنتماءاتهم . النضال لأجل الغايات مشروع ويعّد ضمن المفاهيم الخلاّقة تحت عبائة الوطن . لكن ليس على حساب الوطن . ضجّت أعماقة يستفزها مشهد الصورة . لا . بل صورتان في جسد واحد . من طينة واحدة . جاهد في المواءمة بين الصورتان . هو صوره لقرية ترقد نائية في أطراف الوطن . ولكم لدغته ثعابينها في سكون ليلها الهادىء . ولسعته عقاربها في دروبها الممتدة كالسهام تشق غاباتها المفعمة بالأريج . وحتى أرتوى ملء الفؤاد من مياه جداولها الأسنة . بينما هم صورة لشباب متفتح الأسارير يحملون شهادات عالية ذا تخصصات دقيقة جلها من جامعات الوطن التليدة . لكن كيف تبدلت الصورتان وأحتلت موقع التضاض العجيب . مشاعل هدى وحملة معرفة يبيعون كل ذلك بنعيم زائف وزائل في آن . يعجّ داخله نخاسة ورزيلة وخصران مبين . وأمياً من أسقاع الريف البعيد يأبى أن يباع وطنه في سوق طاولات آثمة . هل الوطن بهذه التفاهة لدرجة اختزال تناقضات بنيه الفكرية تحت طاولة البيع ؟ . هل السلطة أغلى من الوطن!.؟ . وهل السلطة نفسها لا يمكن إمتلاكها إلا عبر هذا الطريق وحده دون غيره ؟ . ثم هل إفرازات أبناءه (صنّاع قرار وطامعون في القرار نفسه )المؤلمة والصادمة لأغلب بنيه لايمكن إحتواءها وتجاوزها إلا عبر طعن الوطن ؟ . أم أنّ المواطنة في الواقع تنحصر وفق مفاهيم دخيلة تحت كراسي السلطة والسلطويين أنفسهم ! . إنّ السلطة ينبغي أن يتمتع بها جميع بني الوطن دون إقصاء . والمواطنة يجب أن تكفل حتي لثروات الوطن من بهيمة الأنعام فتتمتع بمأكلها ومشربها لأنها وسيلة الحياة ذاتها .

أدار بوصلة الحنين نحو قريته . قرر فض هذه الصداقات المزيفة . تعرض لهجوم مباغت وعتاب لازع ووعيد . لم يكترث . عزم الرحيل . وسط ظلمة ليل حالك تمت جريمة إقصاءه في سيناريو محكم الدقة وعالي المهنية . جرّد من كل شيء حتي ملابسه الأنيقة . اقتيد إلي السلطات المحلية بتهم دامغة أهونها تتعلق بمخالفة قوانين الهجرة الشرعية . كبّلته الأصفاد القاسية وحجز في حجرة مظلمة منفردة . مرت شهور وهو يستجدي حتي قطعة بالية متسخة تدثر جسده النحيل . أفاق ذات ليلة علي سلّم الطائرة التي سوف تعبر به المحيطات إلي بلاده . كل ذلك جرى في سرية تامة بدافع الإنتقام الممزوج بالخوف من إرادته الوطنية الجبارة . ليس مستحسن أن يعلم أحد تفاصيل السيناريو برمّته . إنه مجرد مهاجر غير شرعي . وفضائل القوم المتحضر تحث بل تأمر بتحّمل نفقات العودة حتي مراسم التسليم التي ستضع في قاموس القوم إشادة أخلاقية . المتحضر يجب أن يظهر أخلاقي بإمتياز . ووفق ما يريده هو . حّطت الطائرة .. وحطت قدماه على حبات رمل بلاده الرطبة الحنون . سرت قشعريرة عارمة اجتاحت مفاصل جسده المنهك . أجهش على حين غرة في بكاء متمرد حروق . تحت ضغط مشاعر رهيبة . صاح دون أن يدرى ( لن أبيع بلادي)

موضوع: رد: لن أبيع بلادي 2009-10-05, 12:44 am

جزاكى الله كل خير على الموضوع الجميل

موضوع: رد: لن أبيع بلادي 2009-10-14, 6:54 pm

قصه أجمل من رائعه

تقبلى مرورى

موضوع: رد: لن أبيع بلادي 2009-10-27, 6:24 am

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية
وجزاك الله خيرا
_________________

موضوع: رد: لن أبيع بلادي 2010-01-11, 6:18 pm

جزاكي الله كل خير

الاكابر الاحساس محيرة كل الناس

اسألوا

الحاوي الشاعر ايناس

موضوع: رد: لن أبيع بلادي 2010-01-17, 9:29 pm

اشكرك على الموضوع

تقبلوا مرورى

ودعونى اعود من حيث اتيت