لطمة خائنة
كمال عبدالجابر
مازال العرض مستمراً لقضايا وحكايات
انسانية مثيرة تذخر بها محاكم الأسرة.. يبذل اعضاء مكتب تسوية المنازعات
قصاري جهودهم من أجل التوفيق وإعادة الحياة الأسرية بين الأزواج بدلا من
تفاقم الخلافات والانفصال.. وقفوا في دهشة امام اصرار زوجة متمردة علي خلع
زوجها بربع جنيه في غفلة منه.. تناست العشرة علي مدي أربعين عاما.. تركته
وحيدا في ارذل العمر تتلاطمه أمواج الحياة القاسية وزاد من آلامه انصياع
ابنه العاق وراء نصائحها هشم عظامه الواهنة وألقاه علي قارعة الطريق.
بدأت خيوط مأساته منذ سنوات عندما كان يزاول مهنته في أعمال النقاشة
بتجديد وتحسينات شقة باحد الأحياء الشعبية بالعاصمة.. التقت عيناه بفتاة
حسناء جارة لصاحب الشقة تبادلا علي مدي شهر نظرات الاعجاب.. رق قلبه
لطيبتها ووداعتها وحالة أسرتها المتواضعة وتربع حبها بين اعماقه حتي أصبحت
كل شيء في حياته وكذلك هو بالنسبة لها.. اصطحب جارها وزوجته وطرق باب مسكن
اسرتها وقوبل بكل الرضا والقبول وخلال اسابيع تم عقد القران واصطحبها الي
عش الزوجية الذي أعده بمنزل متواضع تمتلكه والدته.. وسارت بهما سفنية
الحياة هادئة ومستقرة ورزقا بأربعة أطفال تربوا وترعرعوا بين احضان ابوته
ورعايته.. يكد ويكدح ليل نهار هنا وهناك في عمل لتوفير ومواجهة متطلباتهم
المعيشية.. ولكن دوام الحال من المحال صار دخله اليومي لا يكفي متطلباتهم
المعيشية واحتياجاتهم المتعددة التي اعتادت زوجته طلبها منه دون احتياج
بدافع من غيرتها الشديدة من الجيران ميسوري الحال.. تمردت علي الفقر ليس
لديها صبر علي المحتوم ولم تعلم أن الرضا علي القسمة والنصيب والرزق
الحلال الذي يشبع بطون أطفالها عبادة.. فحولت حياة زوجها إلي جحيم لا
يطاق.. أصرت علي الالتحاق بعمل متواضع باحدي الهيئات الحكومية بزعم مد يد
العون له لمواجهة متطلبات أولادهما.. ورضخ علي مضض.
مرت أسابيع وفوجيء بزوجته تعتاد المبيت "نوبتجية" في عملها تحمل ما
تنوء بحمله الجبال من اهمالها لحياتها الأسرية وتركها الأولاد لوالدته
المسنة التي تعاني من الأمراض المضنية وتنفق دخلها الشهري من عملها
بالكامل علي شراء الملابس الغالية الثمن ومستلزمات الزينة والماكياج..
احتدم النقاش بينهما واصرت علي استمرار تصرفاتها وصارت جدران مسكن الزوجية
تصرخ من النكد ليل نهار.. وصار يحترق بين نارين تمرد وعصيان زوجته من جانب
وحياة التفكك والتصدع الأسري التي يعيشها أولاده في مرحلة الصبا.. واستقر
به الحال بعد أسابيع إلي الانطلاق للعمل بالتعاقد باحدي الشركات في حقل
المعمار بإحدي الدول العربية.. يكد ويكدح ليل نهار في عمله هناك واعتاد
ارسال ما يدخره من مال بين يديه أولا بأول لزوجته لتواجه متطلبات الحياة
المعيشية لأولادهما.. ومرت ثلاث سنوات وسط دموع الغربة القاسية والحرمان
من الأهل والعشيرة وعقد النية علي العودة وبللت دموعه ارض المطار شوقا
وحنينا لرؤية فلذات كبدة وشريكة عمره يحمل بين يديه الهدايا الثمينة لهم.
لم يكن يدري بأنه علي موعد مع اللطمة الكبري التي قوضت حياته وحطمت
احلامه وآماله في تربية أولاده وسط الحياة الأسرية المستقرة وتأتي الرياح
بما لا تشتهي السفن فوجيء بابنه الأكبر وقد انزلق في عالم الإدمان ومصادقة
اصدقاء السوء واحتدم النقاش بينهما تطور إلي مشادة مثيرة قامت خلالها
الزوجة المتمردة بكشف النقاب عن الكارثة الكبري التي لا يصدقها عقل إنسان
وتلفظها الأخلاق. فاجأته بأنها خلعته مقابل ربع جنيه وراحت تلوح في وجهه
بالحكم القضائي الذي استصدرته منذ خمسة أشهر من محكمة الأسرة.. اختل
توازنه واسودت الدنيا من حوله وبعدما أفاق فوجيء بمطلقته وقد اختفت فوجيء
بابنه الأكبر يطلب منه ما تبقي بين يديه من مال.. وعندما نهره والده طرحه
الابن العاق أرضا وتحول إلي وحش كاسر انهال عليه ركلا بالأقدام حتي فقد
وعيه واستولي ابنه علي حقيبة يده البقية الباقية من رحلة الشقاء والتعب.
والغربة في الطريق.. هام الأب علي وجهه في الميادين والشوارع يصرخ والقهر
علي ملامح وجهه حتي تلقفته ايادي فاعل خير اصطحبه ليقيم في "عشة" فوق سطح
منزله بأحد الأحياء الشعبية