عندما يشتد البرد في جمهورية النسيان وتتدنى حرارة العواطف يحل الجمود تدخل ضواحي الصفيح في غيبوبةٍ كاملة , ولا تسمع سوى صوت الرياح الذي يهيمن على على هذه الناحية من البلد , فيما تجول الكثير من الاسئلة في قلب الفتى (ناسي) الذي اكمل الخامسة والعشرين من عمره ولم يزل طالبا في مدرسة الحياة , تجده قد انشغل وهو يتوسد الارض ويبحث عن الدفئ في (برنوصه) البني الذي تركه له المرحوم والده قبل عشرة اعوام عندما مات من البرد على كرسيه !
(ناسي) لم يجد الى اليوم فرصته الحقيقة في العمل فهو كل ما يتجه الى جهة مسئولةٍ يبحث بها عن وظيفةٍ بسيطة يقولون له ان اسمه سقط سهوا من كشوفات التعيينات , وان السهو والنسيان نعمة من الله فلعلهم يجدون له وظيفةٍ افضل من هذه الوظيفة في يومٍ ما , وكعادة (ناسي) يحاول ان ينسى ما مر به كل يوم ويحاول ان يستدرك او يستوعب سقوطه من كشوفات التعيين لمجرد انه ابن حدّاد سابق لم يكن يملك من الدنيا الا (ناسي) والفقر.
اما جمهورية النسيان التي غرقت في وحل الآمال العريضة قبل عمرٍ من خروج (ناسي) للدنيا فهي اخذت تنسى باقي رعاياها رويداً رويدا , وبدأت تغوص في عميق المصالح الشخصية والرغبات الدفينة لبعض من يملكونها , حتى انها سخرّت كل طوبةٍ وكل شارعٍ لمراقبة رعاياها المساكين الذين غصة بهم حانات الليل وبيوت الله يبحثُ كلٌ منهم عن سلوته بطريقته الخاصة.
في بلد (ناسي) كل شيئ اصبح للبيع , حتى العواطف اصبحت رخيصةً وضيعة , وغابت الابتسامة من شفاه الابرياء والاطفال ومضت بهم ارواحهم نحو لذّاتٍ شخصية فيما رحل البعض وترك الارض , ونسي جمهورية النسيان تماما وذهب في حال سبيله يبحث عن ذاته بعيدا عن كل ما تمر به بلاده من ضياع وغربه !