تابع
[ ذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول ذكر أسلم ]
قال ابن إسحاق : ثم كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معه وصدق بما جاءه من الله تعالى : علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، رضوان الله وسلامه عليه وهو يومئذ ابن عشر سنين .
[ نشأته في حجر الرسول صلى الله عليه وسلم وسبب ذلك ]
وكان مما أنعم الله ( به ) على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام .
[ إسلام زيد بن حارثة ثانيا ]
قال ابن إسحاق : ثم أسلم زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أول ذكر أسلم ، وصلى بعد علي بن أبي طالب .
[ إسلام عثمان والزبير وعبد الرحمن وسعد وطلحة ]
قال فأسلم بدعائه - فيما بلغني - عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي .
[ إسلام عمير وابن مسعود وابن القاري ]
قال ابن إسحاق : وعمير بن أبي وقاص ، أخو سعد بن أبي وقاص . وعبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل . ومسعود بن القاري وهو مسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة بن غالب بن محلم بن عائذة بن سبيع بن الهون بن خزيمة من القارة .
[ إسلام نعيم ونسبه ]
قال ابن هشام : هو نعيم بن عبد الله بن أسيد بن عبد عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي وإنما سمي النحام ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد سمعت نحمه في الجنة
قال ابن هشام : نحمه صوته . ( ونحمه ) : حسه .
[ إسلام عامر بن فهيرة ونسبه ]
قال ابن إسحاق : وعامر بن فهيرة ، مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه . قال ابن هشام : عامر بن فهيرة مولد من مولدي الأسد أسود اشتراه أبو بكر رضي الله عنه منهم .
[ إسلام خالد بن سعيد وامرأته أمينة ]
قال ابن إسحاق : وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ; وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو ، من خزاعة . قال ابن هشام ويقال همينة بنت خلف .
[ أمر الله له صلى الله عليه وسلم بمباداة قومه ]
قال ابن إسحاق : ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث به . ثم إن الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه منه وأن يبادي الناس بأمره وأن يدعو إليه وكان بين ما أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين - فيما بلغني - من مبعثه ثم قال الله تعالى له فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وقال تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وقل إني أنا النذير المبين
[ وفد قريش مع أبي طالب في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : أو من مشى منهم . فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفه أحلامنا ، وضلل آباءنا ; فإما أن تكفه عنا ، وإما أن تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا ، وردهم ردا جميلا ، فانصرفوا عنه .
[ ما أنزل الله في النفر الذين كانوا مع المغيرة ]
قال ابن إسحاق : وأنزل الله تعالى : في النفر الذين كانوا معه يصنفون القول في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما جاء به من الله تعالى : كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون
[ سفهاء قريش ورميه صلى الله عليه وسلم بالسحر والجنون ]
قال ابن إسحاق : ثم إن قريشا اشتد أمرهم للشقاء الذي أصابهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أسلم معه منهم فأغروا برسول الله صلى الله عليه وسلم سفهاءهم فكذبوه وآذوه ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون ورسول الله صلى الله عليه وسلم مظهر لأمر الله لا يستخفي به مباد لهم بما يكرهون من عيب دينهم واعتزال أوثانهم وفراقه إياهم على كفرهم .
[ بعض ما نال أبا بكر في سبيل الرسول ]
قال ابن إسحاق ، وحدثني بعض آل أم كلثوم بنت أبي بكر ، أنها قالت ( لقد ) رجع أبو بكر يومئذ وقد صدعوا فرق رأسه مما جبذوه بلحيته وكان رجلا كثير الشعر .
[ أشد ما أوذي به الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم أن أشد ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش أنه خرج يوما فلم يلقه أحد من الناس إلا كذبه وآذاه لا حر ولا عبد فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فتدثر من شدة ما أصابه فأنزل الله تعالى عليه ( يا أيها المدثر قم فأنذر )
[ استمرار قريش على تعذيب من أسلم ]
قال ابن إسحاق : ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكة في قبائل قريش في الرجال والنساء وقريش تحبس من قدرت على حبسه وتفتن من استطاعت فتنته من المسلمين ثم إن أشراف قريش من كل قبيلة كما حدثني بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير ، وعن عكرمة مولى ابن عباس ، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -
[ ما توعد به أبو جهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ]
فلما قام عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو جهل يا معشر قريش ، إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وشتم آلهتتا ، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله - أو كما قال - فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه فأسلموني عند ذلك أو امنعوني ، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم قالوا : والله لا نسلمك لشيء أبدا ، فامض لما تريد .
[ ما أنزل الله في قريش حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغاب عنه الوحي مدة ]
قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل حين جاءه لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت ظنا فقال له جبريل وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا
بداية المرض بالنبي صلى الله عليه وسلم وسببه:
كان سبب مرض النبي صلى الله عليه وسلم مؤامرة اليهودية حين دست له السم في طعامه صلى الله عليه وسلم الذي دعته إليه، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منه وأكل القوم فقال: ((ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة))، ثم قال في وجعه الذي مات فيه: ((مازلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان قطعت أبهَري)) [أبو داود (4512)].
قال في النّهاية: "الأبهر عرق في الظّهر وهما أبهران, وقيل: هما الأكحلان اللّذان في الذّراعين, وقيل: هو عرق مستبطن القلب فإذا انقطع لم تبق معه حياة" [انظر: عون المعبود (21/151)].
تخيير النبي صلى الله عليه وسلم بين الموت والخلد:
عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل فقال: ((يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع، فانطلق معي))، فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: ((السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع أولها آخرها، الآخرة شر من الأولى))، قال: ثم أقبل عليَّ فقال: ((يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي عز وجل والجنة)) قال: قلت: بأبي وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال: ((لا ـ والله ـ يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي عز وجل والجنة))، ثم استغفر لأهل البقيع، ثم انصرف، فبُدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي قضاه الله عز وجل فيه حين أصبح. [أحمد ( 15567)، الدارمي (78)].
مرض النبي صلى الله عليه وسلم:
بدأ المرض بالنبي صلى الله عليه وسلم في مطلع شهر ربيع الأول، وقد نُقل إلينا بعض أخباره وأحواله صلى الله عليه وسلم في مرضه:
من أحواله صلى الله عليه وسلم قبل اشتداد المرض:
قالت عائشة: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرَّض في بيتي، فأذنَّ له، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بين رجلين تخطُّ رجلاه في الأرض، بين عباس ورجل آخر، قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بن عباس فقال: أتدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وكانت عائشة رضي الله عنها تحدِّث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعدما دخل بيته واشتد وجعه: ((هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس))، وأُجلس في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طفقنا نصب عليه تلك حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن، ثم خرج إلى الناس. [البخاري (198)، ومسلم (418)].
شدة وجعه صلى الله عليه وسلم:
قالت عائشة: ما رأيت رجلاً أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. [البخاري (5646)، مسلم (2570)].
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكاً شديداً فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكاً شديداً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم))، فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أجل))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)) [البخاري (5648)، مسلم (2571)].
مدة مرضه صلى الله عليه وسلم:
قال ابن حجر: "اختُلف أيضاً في مدة مرضه عليه السلام، فالأكثر على أنها ثلاثة عشر يوماً، وقيل بزيادة يوم وقيل بنقصه... وقيل: عشرة أيام، وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه، وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح". [فتح الباري (7/736)].
وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في مرض وفاته:
لا ريب أن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً موضع للعبرة والعظة، لكنه صلى الله عليه وسلم اختص أمته ببعض النصح وهو في مرض موته، وهو مقبل على الآخرة مدبر عن الدنيا، فما هي آخر وصاياه صلى الله عليه وسلم؟
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الذي مات فيه: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مسجداً))، قالت: ولولا ذلك لأبرزوا قبره، غير أني أخشى أن يتخذ مسجداً. [البخاري (1330)، مسلم (531)].
اليوم الأخير من حياته صلى الله عليه وسلم:
عن أنس بن مالك الأنصاري أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا، وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر، فتوفي من يومه. [البخاري (680)، مسلم (419)]، وفي رواية أخرى: وتوفي من آخر ذلك اليوم. [البخاري (754)].
قال ابن كثير: "وهذا الحديث في الصحيح، وهو يدل على أن الوفاة وقعت بعد الزوال، وذهب النووي وابن رجب إلى أنه توفي ضحى ذلك اليوم" [البداية (5/223)، وانظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي (ص 23)، لطائف المعارف (ص 113)].
وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عليَّ عبد الرحمن وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك، فأشار برأسه أن نعم، فتناولته، فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك، فأشار برأسه أن نعم، فلينته فأمره وبين يديه ركوة أو علبة -يشك عمر- فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول: ((لا إله إلا الله، إن للموت سكرات))، ثم نصب يده فجعل يقول: ((في الرفيق الأعلى)) حتى قبض ومالت يده. [البخاري (4449،5217)، مسلم (2443)].