المنتدى الحالى: المنتدى السياسي و الأخباري ,الموضوع الحالي: اسباب الغلاء , المنتدى الرئيسي: منتدى الأخبار و السياسة و الرياضة, نبذة من الموضوع: أسباب الغلاء يتميز كتاب المقريزي السابق الإشارة إليه في صدر الدراسة بأنه كان تحليل مبكر لظاهرة الغلاء والمجاعات ومحاول للتعمق ...
أسباب الغلاء
يتميز كتاب المقريزي السابق الإشارة إليه فيصدر الدراسة بأنه كان تحليل مبكر لظاهرة الغلاء والمجاعات ومحاول للتعمق في أسبابحدوثها والتى قال لنا المقريزي أن أهمها " شراء المناصب والمراكز الإدارية بالمال،والاسترسال في ضرب الفلوس «فأصبح النقد يوزن ولا يعد» وقد أدت زيادة الضرائب علىالمنتجين إلى جعل الفلاحين يهجرون أرضهم «دفعا للمغارم وخلاصا من المظالم». ويتوقفالمقريزي بعمق عند الشدة العظمى التي وقعت في أيام المستنصر ويصف «الغلاء الذي فحشأمره، وشنع ذكره». مما أدى إلى تعطل الأحوال واختلال الأمن، وتوقف الزراعة، وانتشارالأوبئة. و يقول المقريزي واصفا حال الأمة زمن المجاعة :
«...
وأكلت الكلابوالقطط حتى قلت الكلاب، فبيع كلب ليؤكل بخمسة دنانير، وتزايد الحال حتى أكل الناسبعضهم بعضا. وتحرز الناس، فكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها ومعهم سلب وحبال فيكلاليب. فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه، ونشلوه في أسرع وقت وشرحوا لحمه وأكلوه، ثمآل الأمر إلى أن باع المستنصر كل ما في قصره من ذخائر وثياب وأثاث وسلاح وغيره. وصار يجلس على الحصير. وتعطلت دواوينه، وذهب وقاره. (...) وجاءه الوزير يوما علىبغلته، فأكلها الناس، فشنق طائفة منهم فاجتمع عليهم الناس فأكلوهم».
ويقولالمقريزي: إن البشر هم المسئولون عن الأوبئة والمجاعات، وإن سوء تصريف الأمور أيالعجز الإداري للحكام -أولي الأمر بلغة ذاك الزمان- هو السبب الرئيسي، صحيح أنالمجاعة ترتبط بسبب طبيعي كنقص موارد المياه لعدم وفاء النيل أو نقص المطر... إلخ،وإن الوباء ينتشر بعد المجاعة، ولكن المقريزي رأى أن تدبير الأمور أي حسن معالجةالمشكلات وتوقعها وتحسبها من صفات الحكام المدبرين، وأن السفه والإنفاق الترفيوإضاعة المال في المظاهريؤدي إلى "إتلاف الموارد وضياعها"، أي أن المقريزي ركز علىأن العيب فينا "لا في الزمان"، وأن العامل البشري المسئول الأول عن حدوث الوباء،ورأى المقريزي في "سورة يوسف" مثالا يُحتذى للحاكم المدبر الذي "يدبر الأمر بمقتضىالمصلحة"، فادخار مخزون من السنوات السبع السماني للسنين العجاف هو من قبيل "حسنالتدبير" وهى الصفة التي تمنع حدوث الوباء وانتشاره.
هكذا كان المقريزيسابقاً لعصره ورائداً في تحليل الغلاء وأسبابه من فساد إدارى وإصدار نقدى وضرائبعلى المنتجين دفعتهم لهجرة الأرض، وسطر لنا تعبير عبقري رائع في وصف الغلاء حين قالالغلاء الذي فحش أمره، وشنع ذكره. هذا تحليل الغلاء أيام الشدة المستنصرية فماذابالغلاء في عهد الشدة المباركية .
يرجع بعض المحللين الغلاء الحالي إلىارتفاع سعر صرف الدولار والتخفيض المتوالى في قيمة الجنيه المصرى بينما يرجع البعضالآخر ذلك إلى رفع يد الدولة عن السوق وإلغاء التسعير الجبرى وفى نفس الوقت تأخرصدور قانون منع الاحتكار ويبرر البعض الغلاء بأنه جشع التجار. ولكن الحقيقة هى أنللغلاء أسباب متنوعة متداخلة بينها الأسباب السابق ذكرها إضافة إلى أسباب أخريمنها:
1 ـ تزايد الاعتماد على الخارج والتوسع في الاستيراد دون ضوابطوالخضوع لتقلبات الأسعار العالمية والاحتكارات العالمية للدول والشركات الدوليةالنشاط ولعل معركة القمح وتوفير رغيف الخبز التى أثيرت خلال الشهور الأخيرة خيردليل على التوجهات الحكومية وانعكاسها على جودة رغيف الخبز وعودة طوابير الخبزوسقوط أول شهيد أمام احد الأفران ليدشن عصراً جديداً للجوع والغلاء في مصر المحروسةيذكرنا بخروج الخبز من الأفران في حراسة كما حدث في عهد المجاعة. هل يعقل أو نتصورأن قرص الطعمية الذى يتناوله ملايين المصريين 60% من مكوناته تعتمد على الاستيرادللأسف ليس هذا من قبيل المبالغة، ولكنه كلام جاء على لسان رأفت رضوان مدير مركزالمعلومات بمجلس الوزراء حين تحدث عن ارتفاع أسعار السلع خاصة الغذائية منها وأرجعبعض الأسباب إلى ارتفاع الأسعار العالمية للقمح والسكر والأرز والزيت والحديد،والمبيدات وغيرها ليس هذا فحسب ولكن شاركه الرأى طلعت القواس رجل الأعمال ووكيلالغرفة التجارية ووكيل للجنة الاقتصادية بمجلس الشعب الذى قال إننا فى مصر نقومبتجميع ساندوتش الفول، باستيراد الزيت والفول وغيره من مكونات الساندوتش الذى تجاوزسعره فى بعض المحلات الجنيه. ( ماجدة خضر ـ جريدة العربي 14 مارس 2004 ) .
2 ـ السياسة الزراعية وتزايد الفجوة الغذائية والاعتماد على الخارج لتوفير الغذاءالأساسي ويكفى أن نتأمل أثر تحرير الأسعار والزارعة على محاصيل العدس والفول والأرزالذى أصبحنا نعتمد فيها على الخارج والتوجه إلى بعض المحاصيل التصديرية والفواكهوالخضروات في ظل فوضى شاملة، إضافة إلى التوسع في زراعة البرسيم لمواجهة الطلب علىزيادة الثروة الحيوانية بتوفير غذاء الحيوان قبل توفير الغذاء للإنسان المصري الذىيعانى من الأنيميا وفقر الدم.
3 ـ زيادة حجم المكون الأجنبي في الصناعةالمصرية واعتماد الكثير من المصانع على التجميع بما يضعها فريسة لتقلبات أسعارالصرف وتحكم المنتجين في الخارج.
4
ـ تدنى مستويات الجودة وضعف مقدرةالصادرات المصرية على اختراق الأسواق الدولية والمنافسة واستمرار الفجوة الحادة فيميزان المدفوعات بين وارداتنا وصادراتنا.
5 ـ فوضى السوق وتحكم القلة في ظلالفساد وضعف وغياب الرقابة وتأخير صدور قانون المنافسة ومنع الاحتكار وترك الفقراءفريسة للجشع والاحتكار.
6 ـ ضعف الاستثمار وعدم ضخ استثمارات جديدة وتراجعمساهمة الاستثمار الأجنبي بما أدى إلى تفاقم البطالة والغلاء، واتجاه الحكومةلإنفاق عشرات المليارات على مشاريع البنية الأساسية دون وجود خطة لخلق مشروعاتتستفيد من هذه البنية الأساسية والدخول في مشروعات عملاقة دون توافر الدراساتالكافية مما شكل إهدار للثروة الوطنية
.
7 ـ زيادة دولرة الاقتصاد المصري منخلال التبعية الكاملة للرأسمالية الأمريكية والاعتماد على الولايات المتحدة فيتوفير العديد من الاحتياجات الاستراتيجية وعلى رأسها القمح، والزيادات المتوالية فيأسعار الدواء التى أصبحت تفوق قدرات الغالبية العظمى من المصريين
.
8
ـ إصرارالحكومة على المضي في طريق الخصخصة وبيع شركات القطاع العام الذى كان ثروة ملكالأجيال المتعاقبة تبددت في ظل الفساد القائم ولم تضاف بدلاً منها طاقات إنتاجيةجديدة، وانسحاب العديد من أصحاب المشروعات الخاصة من السوق لأسباب متعددة مما خلقفراغ إنتاجى.كما أن القطاع العام كان يمثل صمام أمان في التوازن الاجتماعى والحفاظعلى مستوى الأسعار وهو دور لن يقوم به القطاع الخاص الذى يسعى للربح أينماكان.
9
ـ انتشار الفساد الذى أصبح ظاهرة عامة في جميع مستويات الحكم في مصروضعف الرقابة على الأسعار في ظل تحرير السوق التى أصبحت فوضى وغلاء ولهيب يكوىالفقراء.
10 ـ ضعف منظمات المجتمع المدني المعنية بحماية المستهلك وتوفيرالرقابة الشعبية التى تحد من انفلات السوق كما هو الحال في أوروبا والبلادالمتقدمة، وإهمال الحكومة للحركة التعاونية التى كانت تشكل صمام آخر لتخفيفالمعاناة عن كاهل محدودي الدخل والنظر إليها باعتبارها من مخلفات العهد البائد. وحين اشتد الغلاء لم تجد الحكومة من سبيل سوى اللجوء إلى التعاونيات الاستهلاكيةللمساهمة في الحد من الغلاء.
هذه هي بعض الأسباب التى تؤدى إلى تفاقم مشكلةالغلاء خلال السنوات الأخيرة، ولكن ماذا نفعل لمواجهة غول الغلاء خلال الفترةالقادمة.