على فين رايحة يامصر؟؟؟؟؟؟

تحقيق- هبة مصطفى:
براءة ممدوح إسماعيل.. إطلاق سراح هاني سرور.. صعود احتكار أحمد عز.. تدهور الواقع الاجتماعي.. تدني الظروف الاقتصادية.. ازدياد الأخطار الخارجية على مصر.. إلغاء الحياة السياسية والحزبية.. الفتنة الطائفية.. أنفلونزا الطيور.. تصادم القطارات.. كل هذه عنوانين لأخبار باتت تُسيطر على عقول المصريين بكافة قطاعاتهم وألوانهم الفكرية وتوجهاتهم، وأفرزت نوعًا من الغليان المتزايد وحالة من الضيق والتذمر والرفض العارم من جميع قطاعات المجتمع في ظل استعداء الدولة للجميع ضدها.

فالقضاة يواصلون تصديهم لمعركتهم المالية مع الحكومة الممثلة في وزارة العدل بقيادة الوزير ممدوح مرعي، والمحامون في ذات السياق شأنهم كشأن النقابات التي يريد النظام المصري تجميد العمل النقابي فيها، وكذلك الحال بالنسبة للأطباء وأعضاء هيئات تدريس الجامعات من أجل الحصول على كادرٍ مالي يتوافق مع الظروف الاقتصادية المتردية.

ولم يكن الموظفون بمنأى عن المعارك المفتوحة بين الحكومة ومختلف طوائف الشعب؛ حيث بدءوا ولأول مرة سلسلةً مفتوحةً من الاحتجاجاتِ والإضراباتِ من أجل المطالبة بحقوقهم، ولعل أبرزهم في هذا الصدد موظفو الضرائب العقارية.

وبات السؤال المحوري من خلال تلك المعطيات الذي يدور في أذهان جميع المصريين حاليًا ليل نهار هو "مصر.. إلى أين؟" أو بعبارة الشعب المصري المتداولة "البلد رايحة على فين؟!!" ويحاول (إخوان أون لاين) الإجابة عنه من خلال التحقيق التالي:
كانت محطتنا الأولى هي رصد لموجز ما يدور في المجتمع المصري من حالات ومشاهد يومية تُوضِّح بحالٍ أو بآخر بداية الإجابة عن محور التحقيق الرئيسي وهو "مصر راحة على فين؟.. "ففي مترو الأنفاق- باعتباره أحد أهم معالم القاهرة- رفع طفلٌ لا يتجاوز عمره السبع سنوات ورقةً مدونًا عليها الآتي: "اسمي حسام وعمري 7 سنوات، وأبي متوفى منذ عامين، وأمي مريضة وملازمة للفراش ولديَّ 6 أخوات، ساعدوني لكي أنفق عليهم، فمنهم أطفال رُضَّع، "مَن فرَّج عن مسلمٍ كربة من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة".

نصب
وعندما سألناه عن حقيقةِ ما بالورقة أجاب قائلاً: إن والديه هما مَن أجبراه على ترك المدرسة وفعل ذلك حتى يتمكَّن من الإنفاق على عائلته المكونة من 7 أطفالٍ حسام أوسطهم، وإن جميع إخوته يمتهنون نفس المهنة عدا طفل رضيع الذي يعمل أيضًا ولكن على ذراع والدته كي تُمارس به عملية التسول أيضًا في المترو.

وعندما تركنا الطفل ليجمع ما وزَّعه من أوراق بدت علينا علامات الاستفهام والتعجب من حال هذا الطفل، ثم فاجأنا عم "إبراهيم" العامل بأحد مصانع الإنتاج الحربي قاطعًا اندهاشنا بقوله: "إحنا والله ناس غلابة لو معانا رغيفين هنعيش بيهم، ولو طلبوا واحد منهم هنمشِّي حالنا بالتاني، بس هنفضل كده لحد امتى ما هي المصيبة أن لو الغلاء من ناحية واحدة ماشي، إنما من كل النواحي".

ويتابع: "والله أنا بكلم نفسي هو المرتب كام علشان منلاقيش عيش ناكله، فنجيب عيش غالي ويا ريته- استغفر الله العظيم- عِدل، إنما أهي لقمة نسد بيها جوعنا، ولو قلنا بلاها عيش لأننا مش لاقيينه طب ما هي المكرونة والأرز غليو هما كمان، ومش كده بس ده الكهرباء زادت وقال إيه ركَّبوا لنا عداد مياه اللي القسط بتاعه "يقطم الوسط"، وكل ده كوم والمواصلات كوم تاني خالص".

معاناة لا تنتهي
وأمام أحد الأفران التي تأخذ وما زالت حيزًا ليس بقليلٍ من وقتِ وجهدِ وتفكيرِ معظم طوائف الشعب، قالت الحاجة أم عبد الله: أنا واقفة هنا، من الساعة 6 صباحًا عشان أجيب 10 أرغفة، ولو قلنا بلاش عيش فالمكرونة والرز هم كمان ولعوا، يعني لما نكون أسرة مكونة من أب وأم و5 أطفال نجيب منين أكل وشرب ولبس وتعليم؟!!، وقال إيه كل اللي الحكومة قدرت عليه، تنزل إعلانات (وقفة مصرية)، هو الحل إن الناس متخلفش، وللا الحل إن الحكومة بدل متسيب محاسيبها ينهبوا قوتنا وقوت عيالنا تحاسبهم وتُوفِّر لنا لقمة نظيفة وهدمة تسترنا؟!".

المعاناة وصلت إلى أصحاب المهن المتميزة تقول إيناس محمد (مُدرسة بإحدى المدارس الخاصة): أنا مرتبي لا يتعدى 200 جنيه، والمرتب لم يزد مع الزيادة ولا الكادر ولا العلاوة الاجتماعية، فضلاً عن زيادة المواصلات التي تصل إلى ما يزيد على 120 جنيهًا".

وتساءلت: "هل يُعقل أن هذا لن ينعكس على الأداءِ التعليمي والتربوي للمدرسين؟!.. كيف أُركِّز في الشرح وأنا لا أضمن كيف يستمر باقي الشهر".

أوضاع متدهورة

حسن نافعة

والمحطة الثانية كانت مع الخبراء، فعلى المستوى السياسي يرى د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن الوضعَ السياسي في مصر مخيف إلى أقصى حد، مشيرًا إلى أن مصرَ تعيش أقصى حالاتِ التدهور المعيشي التي لم تمر على البلاد منذ عشراتِ السنوات؛ حيث توجد حالات تدهور في مناقشة القوانين، وارتفاع مخيف للأسعار، مما يُقدِّم معطياتٍ مخيفةً لواقعٍ مؤلم، ومخاوف عديدة للسيناريوهات المرتقبة.

وأكد نافعة أننا لا نملك الأدوات ولا البراهين ولا النوايا الحقيقية من النظام الحاكم كدلالةٍ على رغبته في التغيير والإصلاح، كما يدَّعي، هذا بالإضافةِ إلى أننا لا نملك انتخاباتٍ حرة ولا تداولَ سلطةٍ، وأيضًا لا نملك قوى سياسية على استعدادٍ لتولي نظام الحكم في الوقت الحالي.

وأضاف نافعة أن هناك أسبابًا عديدةً أدَّت إلى تدهور الحالة السياسية واضطراب النظام والشارع السياسي في مصر منها: ارتفاع الأسعار بطريقةٍ مفزعةٍ سواء أسعار البنزين ومشتقاته أم أسعار السلع الغذائية وتضاؤل دور مصر الإقليمي والدولي نتيجة خضوعها غير المبرر للسياسة الأمريكية في المنطقة وهو ما يساعد على زيادة حدة الاحتقان المصري الداخلي، فضلاً عن التداخل البين بين السلطة والمال والذي أصبح واضحًا أمام الجميع ومناقشة القوانين وتمريرها بطريقةٍ عشوائيةٍ ودون دراسةٍ للواقع المحيط.

سيناريوهات متوقعة
وطرح نافعة 3 سيناريوهاتٍ مستقبلية تعكس الوضع السياسي في مصر؛ أولها: تشكيل جبهة مُوحَّدة من الأحزاب والتيارات والجماعات الفكرية والسياسية لتشكيل غطاءٍ سياسي وتنظيمي يمكن حينها الدمج بين التغيير أو الحراك السياسي المنشود، وبين العمل على دعم الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وثانيها استمرار أوضاع الأحزاب والقوى السياسية كما هو عليه الآن من عدم الاندماج والانخراط فيما بينها؛ وذلك إما بسبب الضغوط الواقعة عليها من جانب الأجهزة الأمنية, أو بسبب أزمة الثقة والخلافات الفكرية والأيديولوجية بين عددٍ من الفصائل السياسية؛ مما يُؤجِّل التعاون بينهما وتأجيل عمل الحركة الإصلاحية المشتركة، ولكن هذا التأجيل لن يُثنيها عن بدايةِ عملها بل فقط يؤجله.

وثالثها: الانفلات الأمني بسبب الأزمة الاقتصادية وتفاقمها وبسبب وسوء الأوضاع المعيشية وغياب الحِراك السياسي، وبالتالي تتطور الأمور إلى حالةٍ من الفوضى يصعب معها السيطرة على مقاليد الأمور.

وأكد نافعة أن اللحظةَ الحقيقيةَ التي على الشعب المصري أن يواجهها هي لحظة الانتخابات الرئاسية 2011م، وهي التي يقف عندها الشعب في مفترق الطرق ينتظر تحديد مصيره.

مستقبل مخيف

عبد الحافظ الصاوي

وعلى الصعيد الاقتصادي يرى عبد الحافظ الصاوي الخبير الاقتصادي بمنتدى البحوث الاقتصادية أن الاقتصاد المصري لا يمتلك رؤيةً ذاتيةً؛ فهو عرضة للتقلبات العالمية التي تنعكس بدورها على باقي المجريات الأخرى.

وأوضح أنه على الصعيد الداخلي المصري لا توجد إستراتيجية واضحة في المجالات الأساسية كتنمية الموارد البشرية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكدًا أن هناك انحدارًا في جميع المجالات الاقتصادية "الواردات, عجز الموازنة, الدين العام", كما أكد أن مصرَ تسير بنظام "يوم بيوم".

وأضاف أنه بالمقارنة بين مصر وتركيا في العامين من 2000م إلى 2008م نرى أن أداء الاقتصاد التركي يزيد في مؤشرات البورصة والمؤشرات الاقتصادية؛ مما يدل على مدى انحدار المستوى الاقتصادي المصري, كذلك بالنسبة لضعف العملة الوطنية وتدهور قيمة الجنيه المصري وضعف الصادرات وقبول الاتفاقيات العالمية الدولية منها والإقليمية.

ويتوقع الصاوي وجود مزيدٍ من الاختناق والأزمات والتبعية الاقتصادية للخارج، فمن الملاحظ أنه لا يوجد منتج مصري يمكنه المنافسة لا عالميًّا ولا حتى محليًّا, مشيرًا إلى أنه لا توجد رؤية مستقبلية حكومية ولا حتى لرجال الأعمال، محذرًا من عدم وجود أي رؤيةٍ مستقبليةٍ؛ حيث إن ذلك سيؤدي إلى مستقبل اقتصادي مخيف.

التعليم الخاص

علي لبن

وعلى المستوي التعليمي يرى النائب علي لبن عضو الكلتة البرلمانية للإخوان المسلمين بمجلس الشعب والخبير التربوي أن مستقبل التعليم في مصر واضحٌ للغاية؛ حيث الانطلاق تجاه التعليم الخاص النظري.

وشدد على أنَّ مَن يخطط للتعليم بمصر تتماشى خطته مع الأجندة الصهيوأمريكية، وأن الدافع في تنفيذ تلك الأجندة هو بقاؤهم في السلطة لأطول فترةٍ ممكنة, فهم لا ينفذون خطةً قوميةً وطنيةً، ولكن ينفذون خطة أصحاب المنح المشروطة.

وحذَّر من أن فساد التعليم يعني فقد الأمة لبنائها الأساسي والتكويني وفقد عقول شبابها، مشيرًا إلى العبث بالمناهج الدراسية وإلغاء المواد التي تُرسِّخ روح الانتماء والتدين لدى الطلاب وإضافة غيرها من المواد.

استنساخ فني
وعلى الصعيد الفني يُوضِّح الناقد الفني محمد عبد العزيز أن الحالةَ الفنية المصرية تخالف كل ما هو مفروض من كون الفن مرآةً عاكسةً لحال مجتمعه من ناحية, ومن الناحية الأخرى يعمل على توجيه المجتمع في سلوكٍ معينٍ إلى أن يتحسَّن هذا السلوك.

وأشار إلى أن الأفلام تتجه باتجاه استنساخ الأفلام الأمريكية, وباتت الشوارع المصرية تمتلئ بالبوسترات ولوحات الدعاية المقتبسة من الأفلام الأمريكية حتى فقدنا الخصوصية والصبغة الخاصة بنا، ولم نعد نمتلك ظاهرة الفن الأصيل بعكس السينما الإيرانية والهندية اللتين بدأتا في تأصيل الفنون.

ويشير إلى أن الأفلام تؤكد أن الشريحة الكبيرة من الشباب تعيش بلا وعي, مؤكدًا أنه من المتوقع بعد سنوات حدوث حالة تشبع ضد الضياع؛ مما يُؤثِّر على حركة الفن المصري.

ويلفت عبد العزيز إلى وجود تغير من مفهوم البطل المصري من الريحاني "المواطن المطحون" وإسماعيل يس وغيرهما من الأبطال المؤثرين ذوي الأدوار الهادفة, إلى أن أصبح البطل الآن في السينمات الكوميدية يهدف إلى تمثيل أدوار "البلاهة" أو "الحماقة" أو "الجنون"، وهو ما سيساعد على نزول مستوى البطل إلى مستوى متدنٍ للغاية.

كوارث الرياضة
ولم تسلم الرياضة هي الأخرى من التدهور الذي لحق بكافة المجالات في مصر؛ حيث يرى حسام فرحات الرئيس السابق لقناة "النيل" للرياضة أن الرياضة المصرية عانت الكثير من المشكلات في السابق، وما زالت تعاني من كوارث أدَّت إلى انحدار مستواها الرياضي وترتيبها على مستوى العالم، مشيرًا إلى أن الإدارة الرياضية غير مستقرة، وهي تنعكس على مستوى الرياضة، والحالة الأبرز لذلك هي أزمة نادي الزمالك، مؤكدًا أن مصر تحتاج إلى مؤسسات ومعاهد وروابط واتحادات للاهتمام بالمدربين، خاصةً مدربي النشء حتى نُنقذ مستوى مصر الرياضي، مطالبًا بالاهتمام بتدريب الناشئين الذين يُمثِّلون أملَ مصر الرياضي ومستقبلها.