ولد جمال عبد الناصر في ١٥ يناير ١٩١٨ في ١٨ شارع قنوات في حي
باكوس الشعبي بالإسكندرية .
كان جمال عبد الناصر الابن الأكبر لعبد الناصر حسين
الذي ولد في عام ١٨٨٨ في قرية بني مر في صعيد مصر في أسره من الفلاحين، ولكنه حصل
على قدر من التعليم سمح له بأن يلتحق بوظيفة في مصلحة البريد بالإسكندرية، وكان
مرتبه يكفى بصعوبة لسداد ضرورات الحياة .
جمال عبد الناصر في المرحلة
الابتدائية:
فى عام ١٩٢٥ دخل جمال مدرسة النحاسين الابتدائية
بالجمالية بالقاهرة وأقام عند عمه خليل حسين في حي شعبي لمدة ثلاث سنوات، وكان جمال
يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبه في العطلات المدرسية، وحين وصل في الإجازة الصيفية في
العام التالي – ١٩٢٦ – علم أن والدته قد توفيت قبل ذلك بأسابيع ولم يجد أحد الشجاعة
لإبلاغه بموتها، ولكنه اكتشف ذلك بنفسه بطريقة هزت كيانه – كما ذكر لـ \"دافيد
مورجان\" مندوب صحيفة \"الصنداى تايمز\" – ثم أضاف: \"لقد كان فقد أمي في حد ذاته
أمراً محزناً للغاية، أما فقدها بهذه الطريقة فقد كان صدمة تركت في شعوراً لا يمحوه
الزمن. وقد جعلتني آلامي وأحزاني الخاصة في تلك الفترة أجد مضضاً بالغاً في إنزال
الآلام والأحزان بالغير في مستقبل السنين \".
وبعد أن أتم جمال السنة الثالثة
في مدرسة النحاسين بالقاهرة، أرسله والده في صيف ١٩٢٨ عند جده لوالدته فقضى السنة
الرابعة الابتدائية في مدرسة العطارين بالإسكندرية .
جمال عبد
الناصر في المرحلة الثانوية:
التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٢٩ بالقسم
الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية وقضى بها عاماً واحداً، ثم نقل في العام التالي –
١٩٣٠ – إلى مدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية بعد أن انتقل والده إلى العمل
بمصلحة البوسطة هناك .
وفى تلك المدرسة تكون وجدان جمال عبد الناصر القومي؛
ففي عام ١٩٣٠ استصدرت وزارة إسماعيل صدقي مرسوماً ملكياً بإلغاء دستور ١٩٢٣ فثارت
مظاهرات الطلبة تهتف بسقوط الاستعمار وبعودة الدستور.
ويحكى جمال عبد
الناصر عن أول مظاهرة اشترك فيها: \"كنت أعبر ميدان المنشية في الإسكندرية حين وجدت
اشتباكاً بين مظاهرة لبعض التلاميذ وبين قوات من البوليس، ولم أتردد في تقرير
موقفي؛ فلقد انضممت على الفور إلى المتظاهرين، دون أن أعرف أي شئ عن السبب الذي
كانوا يتظاهرون من أجله، ولقد شعرت أنني في غير حاجة إلى سؤال؛ لقد رأيت أفراداً من
الجماهير في صدام مع السلطة، واتخذت موقفي دون تردد في الجانب المعادى للسلطة.
ويعود جمال عبد الناصر إلى هذه الفترة من حياته في خطاب له بميدان
المنشية بالإسكندرية في ٢٦/١٠/١٩٥٤ ليصف أحاسيسه في تلك المظاهرة وما تركته من آثار
في نفسه: \"حينما بدأت في الكلام اليوم في ميدان المنشية. سرح بي الخاطر إلى الماضي
البعيد ... وتذكرت كفاح الإسكندرية وأنا شاب صغير وتذكرت في هذا الوقت وأنا اشترك
مع أبناء الإسكندرية، وأنا أهتف لأول مرة في حياتي باسم الحرية وباسم الكرامة،
وباسم مصر... أطلقت علينا طلقات الاستعمار وأعوان الاستعمار فمات من مات وجرح من
جرح، ولكن خرج من بين هؤلاء الناس شاب صغير شعر بالحرية وأحس بطعم الحرية، وآلي على
نفسه أن يجاهد وأن يكافح وأن يقاتل في سبيل الحرية التي كان يهتف بها ولا يعلم
معناها؛ لأنه كان يشعر بها في نفسه، وكان يشعر بها في روحه وكان يشعر بها في دمه\".
لقد كانت تلك الفترة بالإسكندرية مرحلة تحول في حياة الطالب جمال من متظاهر إلى
ثائر تأثر بحالة الغليان التي كانت تعانى منها مصر بسبب
تحكم الاستعمار وإلغاء
الدستور. وقد ضاق المسئولون بالمدرسة بنشاطه ونبهوا والده فأرسله إلى القاهرة.
وقد التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٣٣ بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر
بالقاهرة، واستمر في نشاطه السياسي فأصبح رئيس اتحاد مدارس النهضة الثانوية.
وفى تلك الفترة ظهر شغفه بالقراءة في التاريخ والموضوعات الوطنية فقرأ
عن الثورة الفرنسية وعن \"روسو\" و\"فولتير\" وكتب مقالة بعنوان \"فولتير رجل
الحرية\" نشرها بمجلة المدرسة. كما قرأ عن \"نابليون\" و\"الإسكندر\" و\"يوليوس
قيصر\" و\"غاندى\" وقرأ رواية البؤساء لـ \"فيكتور هيوجو\" وقصة مدينتين لـ \"شارلز
ديكنز\".(الكتب التي كان يقرأها عبد الناصر في المرحلة الثانوية).
كذلك اهتم
بالإنتاج الأدبي العربي فكان معجباً بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة
النبي محمد وعن أبطال الإسلام وكذلك عن مصطفى كامل، كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق
الحكيم خصوصاً رواية عودة الروح التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع
توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعث الوطني.
وفى ١٩٣٥ في
حفل مدرسة النهضة الثانوية لعب الطالب جمال عبد الناصر دور \"يوليوس قيصر\" مسرحية
\"شكسبير\" وقد شهد عام ١٩٣٥ نشاطاً كبيراً للحركة الوطنية المصرية التي لعب فيها
الطلبة الدور الأساسي مطالبين بعودة الدستور والاستقلال،
ويكشف خطاب من جمال
عبد الناصر إلى صديقه حسن النشار في ٤ سبتمبر ١٩٣٥ مكنون نفسه في هذه الفترة،
فيقول: \"لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس ونفضنا بشائر الحياة واستقبلنا
غبار الموت، فأين من يقلب كل ذلك رأساً على عقب، ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى يوم
أن كانت مالكة العالم. أين من يخلق خلفاً جديداً لكي يصبح المصري الخافت الصوت
الضعيف الأمل الذي يطرق برأسه ساكناً صابراً على اهتضام حقه ساهياً عن التلاعب
بوطنه يقظاً عالي الصوت عظيم الرجاء رافعاً رأسه يجاهد بشجاعة وجرأه في طلب
الاستقلال والحرية... قال مصطفى كامل \' لو نقل قلبي من اليسار إلى اليمين أو تحرك
الأهرام من مكانه المكين أو تغير مجرى [النيل] فلن أتغير عن المبدأ \' ... كل ذلك
مقدمة طويلة لعمل أطول وأعظم فقد تكلمنا مرات عده في عمل يوقظ الأمة من غفوتها
ويضرب على الأوتار الحساسة من القلوب ويستثير ما كمن في الصدور. ولكن كل ذلك لم
يدخل في حيز العمل إلى الآن\".
وبعد ذلك بشهرين وفور صدور تصريح \"صمويل هور\" –
وزير الخارجية البريطانية – في ٩ نوفمبر١٩٣٥ معلناً رفض بريطانيا لعودة الحياة
الدستورية في مصر، اندلعت مظاهرات الطلبة والعمال في البلاد، وقاد جمال عبد الناصر
في ١٣ نوفمبر مظاهرة من تلاميذ المدارس الثانوية واجهتها قوة من البوليس الإنجليزي
فأصيب جمال بجرح في جبينه سببته رصاصة مزقت الجلد ولكنها لم تنفذ إلى الرأس، وأسرع
به زملاؤه إلى دار جريدة الجهاد التي تصادف وقوع الحادث بجوارها ونشر اسمه في العدد
الذي صدر صباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى. (مجلة الجهاد ١٩٣٥).
وعن
آثار أحداث تلك الفترة في نفسية جمال عبد الناصر قال في كلمة له في جامعة القاهرة
في ١٥ نوفمبر ١٩٥٢: \"وقد تركت إصابتي أثراً عزيزاً لا يزال يعلو وجهي فيذكرني كل
يوم بالواجب الوطني الملقى على كاهلي كفرد من أبناء هذا الوطن العزيز. وفى هذا
اليوم وقع صريع الظلم والاحتلال المرحوم عبد المجيد مرسى فأنساني ما أنا مصاب به،
ورسخ في نفسي أن على واجباً أفنى في سبيله أو أكون أحد العاملين في تحقيقه حتى
يتحقق؛ وهذا الواجب هو تحرير الوطن من الاستعمار، وتحقيق سيادة الشعب. وتوالى بعد
ذلك سقوط الشهداء صرعى؛ فازداد إيماني بالعمل على تحقيق حرية مصر\".
وتحت الضغط الشعبي وخاصة من جانب الطلبة والعمال صدر مرسوم ملكي في ١٢
ديسمبر ١٩٣٥ بعودة دستور ١٩٢٣.
وقد انضم جمال عبد الناصر في هذا الوقت إلى
وفود الطلبة التي كانت تسعى إلى بيوت الزعماء تطلب منهم أن يتحدوا من أجل مصر، وقد
تألفت الجبهة الوطنية سنة ١٩٣٦ بالفعل على أثر هذه الجهود.
وقد كتب جمال في
فترة الفوران هذه خطاباً إلى حسن النشار في ٢ سبتمبر ١٩٣٥ قال فيه: \"يقول الله
تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، فأين تلك القوة التي نستعد بها لهم؛ إن
الموقف اليوم دقيق ومصر في موقف أدق...\".
ووصف جمال عبد الناصر شعوره
في كتاب \"فلسفة الثورة\" فقال: \"وفى تلك الأيام قدت مظاهرة في مدرسة النهضة،
وصرخت من أعماقي بطلب الاستقلال التام، وصرخ ورائي كثيرون، ولكن صراخنا ضاع هباء
وبددته الرياح أصداء واهية لا تحرك الجبال ولا تحطم الصخور\".
إلا أن اتحاد
الزعماء السياسيين على كلمة واحدة كان فجيعة لإيمان جمال عبد الناصر، على حد تعبيره
في كتاب \"فلسفة الثورة\"، فإن الكلمة الواحدة التي اجتمعوا عليها كانت معاهدة ١٩٣٦
التي قننت الاحتلال، فنصت على أن تبقى في مصر قواعد عسكرية لحماية وادي النيل وقناة
السويس من أي اعتداء، وفى حال وقوع حرب تكون الأراضي المصرية بموانيها ومطاراتها
وطرق مواصلاتها تحت تصرف بريطانيا، كما نصت المعاهدة على بقاء الحكم الثنائي في
السودان.
وكان من نتيجة النشاط السياسي المكثف لجمال عبد الناصر في هذه
الفترة الذي رصدته تقارير البوليس أن قررت مدرسة النهضة فصله بتهمة تحريضه الطلبة
على الثورة، إلا أن زملائه ثاروا وأعلنوا الإضراب العام وهددوا بحرق المدرسة فتراجع
ناظر المدرسة في قراره.
ومنذ المظاهرة الأولى التي اشترك فيها جمال عبد
الناصر بالإسكندرية شغلت السياسة كل وقته، وتجول بين التيارات السياسية التي كانت
موجودة في هذا الوقت فانضم إلى مصر الفتاة لمدى عامين، ثم انصرف عنها بعد أن اكتشف
أنها لا تحقق شيئاً، كما كانت له اتصالات متعددة بالإخوان المسلمين إلا أنه قد عزف
عن الانضمام لأي من الجماعات أو الأحزاب القائمة لأنه لم يقتنع بجدوى أياً منها
،\"فلم يكن هناك حزب مثالي يضم جميع العناصر لتحقيق الأهداف الوطنية\".
كذلك
فإنه وهو طالب في المرحلة الثانوية بدأ الوعي العربي يتسلل إلى تفكيره، فكان يخرج
مع زملائه كل عام في الثاني من شهر نوفمبر احتجاجاً على وعد \"بلفور\" الذي منحت به
بريطانيا لليهود وطناً في فلسطين على حساب أصحابه الشرعيين.
جمال عبد الناصر ضابطاً:
لما أتم جمال عبد الناصر دراسته
الثانوية وحصل على البكالوريا في القسم الأدبي قرر الالتحاق بالجيش، ولقد أيقن بعد
التجربة التي مر بها في العمل السياسي واتصالاته برجال السياسة والأحزاب التي أثارت
اشمئزازه منهم أن تحرير مصر لن يتم بالخطب بل يجب أن تقابل القوة بالقوة والاحتلال
العسكري بجيش وطني.
تقدم جمال عبد الناصر إلى الكلية الحربية فنجح في الكشف
الطبي ولكنه سقط في كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح من بني مر وابن موظف بسيط لا يملك
شيئاً، ولأنه اشترك في مظاهرات ١٩٣٥، ولأنه لا يملك واسطة.
في البدايه عام 1936
رفض دخوله الكليه الحربيه ولكن وأعلنت وزارة الحربية عن حاجتها لدفعة ثانية، فتقدم
جمال مرة ثانية للكلية الحربية ولكنه توصل إلى مقابلة وكيل وزارة الحربية اللواء
إبراهيم خيري الذي أعجب بصراحته ووطنيته وإصراره على أن يصبح ضابطاً فوافق على
دخوله في الدورة التالية؛ أي في مارس ١٩٣٧.
لقد وضع جمال عبد الناصر أمامه
هدفاً واضحاً في الكلية الحربية وهو \"أن يصبح ضابطاً ذا كفاية وأن يكتسب المعرفة
والصفات التي تسمح له بأن يصبح قائداً\"، وفعلاً أصبح \"رئيس فريق\"، وأسندت إليه
منذ أوائل ١٩٣٨ مهمة تأهيل الطلبة المستجدين الذين كان من بينهم عبد الحكيم عامر.
وطوال فترة الكلية لم يوقع على جمال أي جزاء، كما رقى إلى رتبة أومباشى
طالب.
تخرج جمال عبد الناصر من الكلية الحربية بعد مرور ١٧ شهراً،
أي في يوليه ١٩٣٨، فقد جرى استعجال تخريج دفعات الضباط في ذلك الوقت لتوفير عدد
كافي من الضباط المصريين لسد الفراغ الذي تركه انتقال القوات البريطانية إلى منطقة
قناة السويس.
وقد كانت مكتبة الكلية الحربية غنية بالكتب القيمة، فمن لائحة
الاستعارة تبين أن جمال قرأ عن سير عظماء التاريخ مثل \"بونابرت\" و\"الإسكندر\"
و\"جاليباردى\" و\"بسمارك\" و\"مصطفى كمال أتاتورك\" و\"هندنبرج\" و\"تشرشل\"
و\"فوش\". كما قرأ الكتب التي تعالج شئون الشرق الأوسط والسودان ومشكلات الدول التي
على البحر المتوسط والتاريخ العسكري. وكذلك قرأ عن الحرب العالمية الأولى وعن حملة
فلسطين، وعن تاريخ ثورة ١٩١٩
التحق جمال عبد الناصر فور تخرجه بسلاح المشاة
ونقل إلى منقباد في الصعيد، وقد أتاحت له إقامته هناك أن ينظر بمنظار جديد إلى
أوضاع الفلاحين وبؤسهم. وقد التقى في منقباد بكل من زكريا محيى الدين وأنور
السادات.وفى عام ١٩٣٩ طلب جمال عبد الناصر نقله إلى السودان، فخدم في الخرطوم وفى
جبل الأولياء، وهناك قابل زكريا محيى الدين وعبد الحكيم عامر. وفى مايو ١٩٤٠ رقى
إلى رتبة الملازم أول.
لقد كان الجيش المصري حتى ذلك الوقت جيشاً
غير مقاتل، وكان من مصلحة البريطانيين أن يبقوه على هذا الوضع، ولكن بدأت تدخل
الجيش طبقة جديدة من الضباط الذين كانوا ينظرون إلى مستقبلهم في الجيش كجزء من جهاد
أكبر لتحرير شعبهم. وقد ذهب جمال إلى منقباد تملؤه المثل العليا، ولكنه ورفقائه
أصيبوا بخيبة الأمل فقد كان معظم الضباط \"عديمي الكفاءة وفاسدين\"، ومن هنا اتجه
تفكيره إلى إصلاح الجيش وتطهيره من الفساد. وقد كتب لصديقه حسن النشار في ١٩٤١ من
جبل الأولياء بالسودان: \"على العموم يا حسن أنا مش عارف ألاقيها منين واللا منين..
هنا في عملي كل عيبي إني دغرى لا أعرف الملق ولا الكلمات الحلوة ولا التمسح
بالأذيال.
شخص هذه صفاته يحترم من الجميع ولكن.. الرؤساء. الرؤساء يا حسن يسوءهم
ذلك الذي لا يسبح بحمدهم.. يسوءهم ذلك الذي لا يتملق إليهم.. فهذه كبرياء وهم شبوا
على الذلة في كنف الاستعمار.. يقولون.. كما كنا يجب أن يكونوا. كما رأينا يجب أن
يروا.. والويل كل الويل لذلك... الذي تأبى نفسه السير على منوالهم... ويحزنني يا
حسن أن أقول إن هذا الجيل الجديد قد أفسده الجيل القديم متملقاً.. ويحزنني يا حسن
أن أقول أننا نسير إلى الهاوية – الرياء – النفاق الملق - تفشى في الأصاغر نتيجة
لمعاملة الكبار. أما أنا فقد صمدت ولازلت، ولذلك تجدني في عداء مستحكم مستمر مع
هؤلاء الكبار...\".
وفى نهاية عام ١٩٤١ بينما كان \"روميل\" يتقدم نحو الحدود
المصرية الغربية عاد جمال عبد الناصر إلى مصر ونقل إلى كتيبة بريطانية تعسكر خلف
خطوط القتال بالقرب من العلمين.
ويذكر جمال عبد الناصر: \"في هذه
المرحلة رسخت فكرة الثورة في ذهني رسوخاً تاماً، أما السبيل إلى تحقيقها فكانت لا
تزال بحاجة إلى دراسة، وكنت يومئذ لا أزال أتحسس طريقي إلى ذلك، وكان معظم جهدي في
ذلك الوقت يتجه إلى تجميع عدد كبير من الضباط الشبان الذين أشعر أنهم يؤمنون في
قراراتهم بصالح الوطن؛ فبهذا وحده كنا نستطيع أن نتحرك حول محور واحد هو خدمة هذه
القضية المشتركة\".