اصيبت الحياة العامة في القاهرة أمس بما يشبه الشلل، بعد أن استجاب قطاع غير قليل من المواطنين لدعوة العصيان المدني، التي أطلقتها عدد من القوى السياسية والتزموا منازلهم، ورفضوا التوجه إلى أعمالهم، بينما أحجم معظم الطلبة عن التوجه إلى المدارس والجامعات ، وقد زاد من تأثير الإضراب خوف كثير من الأهالي من إرسال أبنائهم إلى المدارس تحسبا لوقوع مواجهات أو مشكلات أمنية في الشوارع ، وهو ما جعل الشوارع تبدو أشبه بلحظات انطلاق مدفع الإفطار في رمضان، حيث خلت من المارة إلا قليلا وسادها الهدوء والصمت.
وبموازاة ذلك، انتشرت تشكيلات الأمن المركزي بالشوارع والميادين العامة في مختلف المحافظات لمنع اندلاع مظاهرات.
ففي ميدان التحرير بوسط القاهرة، انتشرت القوات الأمنية بكثافة حيث كان يرتدي عناصر الشرطة ملابس الأمن الرسمية وملابس مدنية، كما حولت ميدان رمسيس إلى ثكنة عسكرية، وانتشر أفراد الأمن المركزي بكثافة حول محطة سكك حديد مصر.
وتواجدت سيارات الأمن المركزي بكثافة حول نقابتي الصحفيين والمحامين، حيث شهدت الأولى تظاهرة ضعيفة لا تزيد عن 20 متظاهرا، بينما تظاهر المئات على سلم نقابة المحامين للتنديد بسياسات الحكومة فيما وصفته بالتنكيل بالمعارضة وسوء الأحوال الاقتصادية.
وألقت الأجهزة الأمنية القبض على نشطاء سياسيين من بينهم مجدي حسين الأمين العام لحزب "العمل" والدكتور مجدي قرقر الأمين للحزب، وضياء الصاوي مسئول الشباب بالحزب وأحمد الجيزاوي ومحمد أبو المجد العضوين بالحزب. وفي السويس تم اعتقال سعيد كامل طنطاوي أمين حزب "العمل" بالمحافظة وأيمن حسن أمين الحزب بالقنطرة التابعة لمحافظة الإسماعيلية.
كما اعتقلت قوات الأمن محمد عبد القدوس رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، والمهندس محمد الأشقر منسق حركة "كفاية" في الجيزة والناشط بالحركة محمد الشرقاوي، حيث هاجمت قوات الأمن منزليهما في الفجر واعتقلتهما. كما شمل الاعتقال أيضا مالك مصطفي المدون وعضو حركة "كفاية".
واشتبكت قوات الأمن مع المتظاهرين الذين تجمعوا أمام مقر مؤسسة "أخبار اليوم" الصحفية والذين كانوا في طريقهم إلى ميدان التحرير وقامت باعتقال عدد من المتظاهرين.
كما قامت بتطويق منزل الدكتور أيمن نور رئيس حزب "الغد" المعتقل لمنع زوجته جميلة إسماعيل من المشاركة في المظاهرات.
وشهدت شوارع القاهرة سيولة غير معهودة في حركة المرور بسبب بقاء أعداد كبيرة من الموظفين والعمال في منازلهم، وعدم ذهابهم للعمل .
وفي الإسكندرية، ساد الهدوء شوارع المدينة، فسرته قوى المعارضة بأنه كان نتيجة استجابة سائقي سيارات الأجرة لدعوتهم إلى العصيان المدني، وقالت مصادر المعارضة أن الدراسة بجميع كليات جامعة الإسكندرية ومدارسها توقفت بلا استثناء بعدما امتنع الطلاب والتلاميذ عن التوجه إلى المدارس والكليات.
وأفاد شهود عيان بالإسكندرية أن مدنيين غير معروف هويتهم الرسمية كانوا يحملون السيوف والسنج قاموا بالاعتداء على النفر القليل من المواطنين، الذين استدعت ظروفهم الخروج والانتظار في الشوارع للعودة لمنازلهم.
وفي الوقت نفسه، انتشرت قوات الأمن المركزي حول ديوان عام محافظة الإسكندرية وكافة المباني الأمنية بالمحافظة، كما عززت الإجراءات الأمنية على كافة المنشآت الاستراتيجية ومراكز الاتصالات، بالإضافة إلى القنصليات والمراكز الدبلوماسية الأجنبية.
وخلت الأسواق من الباعة تماما بعدما أعلن الباعة الجائلون الاستجابة للدعوة للإضراب، كما لم تشهد المخابز أي زحام نظرا لتدبير الناس احتياجاتهم من الخبز والخضر وكافة الاحتياجات الإنسانية الأخرى عشية يوم الإضراب .
كما سجلت نسب الحضور في كافة الشركات والمصالح الحكومية انخفاضا شديدا خاصة مصانع الغزل والنسيج، باستثناء شركات البترول التي سجلت نسب حضور معتادة بعد أن رددت إدارات شركات البترول بأن وزير البترول سامح فهمي أمر بصرف مكافأة تعادل أجر شهرين لمن يقاطعون دعوة العصيان المدني وينتظمون في العمل يوم الأحد.
وفى المحلة الكبرى، تمكنت قوات الأمن المركزي وعناصر أمن الدولة من إحباط الإضراب العام لعمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، المقدر عددهم بـ 20 ألف عامل، والذي كان مقررا صباح أمس بعد أن انتشر المئات من تلك القوات بالزي المدني داخل الشركة.
وأصيبت المدينة بحالة من الشلل التام خاصة وأن أكثر من 70% من المحلات التجارية أغلقت أبوابها خوفا من أن تشهد المدينة حالات شغب وتخريب أثناء المظاهرات.
ووفقا لشهود العيان، فان قوات الأمن حاصرت المصانع من الخارج واحتلتها من الداخل ومنعت دخول الوردية الصباحية وأخرجت الوردية المسائية بالقوة؛ وأجبرت قوات الأمن بعض العمال على تشغيل الماكينات أمام بعض الصحفيين الحكوميين ومصـــور لأول مره على منتدى النجم أحمد فتحىي التلفزيون المصري.
لكن الأمر انقلب فجأة في الساعة الرابعة بعد الظهر، وهو وقت انتهاء عمل الوردية الصباحية، حيث خرج العمال، وانضم إليهم المواطنون، ونظموا مظاهرة ضخمة خارج أسوار شركة الغزل والنسيج.
وأفاد شهود عيان أن الشرطة أطلقت أعيرة مطاطية وقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق مئات العمال المطالبين بزيادة أجورهم مما حدا بالعمال إلى الرد بإلقاء الحجارة على القوات كما أشعلوا النار في إطارات السيارات
ورد العمال الغاضبون بإشعال النار في إطارات السيارات وفي عدد من المتاجر وحطموا واجهاتها، كما أوقفوا قطارا قادما إلى المدينة بأن وضعوا إطارات سيارات مشتعلة على القضبان، كما قذفوا القطار بالحجارة وحطموا نوافذه.
وقالت مصادر أمنية إن عدد المصابين 40 مصابا فقط إلا أن شهود العيان أكدوا إصابة المئات بحالات اختناق بسبب استنشاق الغاز المسيل للدموع.
واعتقل رجال الأمن عددا من المواطنين الذين أصيبوا في المظاهرات أثناء علاجهم في المستشفيات والعيادات الخاصة، وقد ترددت أبناء غير مؤكدة عن وفاة مواطن إثر إصابته بالرصاص المطاطي.
وقال الشهود إن أكبر المصادمات بين قوات الأمن والمحتجين وقعت في ميدان الشون في وسط المدينة وان مصادمات أخرى وقعت في شارع رئيسي وشوارع جانبية في المدينة. واضطر عدد من قادة قوات الأمن للاختفاء في بعض البنايات خوفا من هجوم المتظاهرين عقب ضربهم بقنابل الغاز والمسيل للدموع في المظاهرات التي شهدها ميدان الشوف بالمحلة.
وحتى لحظة إعداد هذا التقرير لا تزال قوات الأمن المركزي ترابط في الميادين العامة في كافة المدن المصرية خشية اندلاع مظاهرات، كما لم تعد حركة نقل الركاب إلى طبيعتها نظرا لاختفاء عدد كبير من سيارات الأجرة من شوارع المدينة.
وفى كفر الدوار، تعطلت الدراسة بكافة المدارس، كما تغيب أكثر من 75% من عمال الوردية الصباحية والصيانة بشركات غزل كفر الدوار، والحرير الصناعي، وصباغى البيضا، ومواد الصباغة والكيماويات.
وحاصرت تشكيلات الأمن المركزي المدعمة بالسيارات المصفحة الشركات، كما انتشرت أعداد أخرى منها في كافة ميادين المدينة لمنع أي تجمعات يمكن أن تؤدى إلى مظاهرات، حيث تمكنت أجهزة الأمن من إحباط مظاهرة كان مخططا لها.
وفي مدينة دمنهور، انتشرت قوات الأمن المركزي في كافة الميادين لمنع أي تجمعات أو اندلاع مظاهرات في الوقت الذي خلت فيه الشوارع تماما من المارة، وتعطلت الدراسة أيضا بالكليات.
كما أعلن سائقو سيارات الأجرة الإضراب عن العمل، وبلغت نسبة التغيب عن العمل في كافة دواوين ومصالح المحافظة المختلفة أكثر من 75%، واعتقلت أجهزة الأمن أكثر من 45 شخصا من دمنهور وكفر الدوار على خلفية الدعوة للعصيان المدني.
وفى كفر الشيخ، تعطلت الدراسة في كافة المدارس، وأضرب سائقو السيارات الأجرة عن العمل وهو الأمر الذي شل الحركة بين كفر الشيخ وباقي المحافظات.
وقد انتشرت قوات الأمن المركزي وعناصر من أمن الدولة في مدينة بلطيم مسقط رأس عضو مجلس الشعب حمدين صباحي، لإحباط مظاهرة كان ينوي سكان المدينة تنظيمها.
وأكدت مصادر مقربة من صباحي لـ "المصريون" أن مباحث أمن الدولة اقتحمت مكتبه في كفر الشيخ ظهر أمس، واستولت على جميع الأوراق والمستندات الموجودة به، كما اعتقلت ثمانية من مساعديه في غيابة.
وقالت المصادر إن مباحث أمن الدولة طلبت من كافة المصالح الحكومية بالمحافظة صـــور لأول مره على منتدى النجم أحمد فتحىا من كشوف الحضور والغياب للموظفين لفرزها وتصنيف المتغيبين عن العمل على أنهم عناصر إسلامية أو ناصرية.