مصر صاحبة حضارة عريقة في العالم القديم ، وأوروبا تعاقبت عليها حضارات عديدة في تلك العصور ، واللقاء بين الحضارتين كان أمراً حتمياً لا مفر منه ، وهذا ما حدث بالفعل بل إن الأمر تحول في عديد من الأحيان إلى تزاوج بين الحضارات المصرية والحضارات الأوروبية لتقدما معاً منتجاً حضارياً متميزاً للعالم .
وتقول صفحات التاريخ إن العلاقات بين مصر والأغريق تعود إلى عهد بعيد حيث أثبتت الحفائر في جزيرة كريت وجود آثار مصرية تشير إلى وجود علاقات بين مصر وهذه الجزيرة منذ عصر ما قبل الأسرات في مصر ، وقد بلغ التعاون ذروته بينهما فى عصر الدولة الفرعونية الحديثة ، أي قبل نحو أربعة آلاف عام .
أما الصفحة التالية من العلاقات المصرية الأوروبية فقد سطرها الإسكندر المقدوني ، الذي بادر فور وصوله مصر إلى زيارة معبد فرعوني ثم إقامة مهرجان ثقافي موسيقي رياضي حسب التقاليد اليونانية ، ثم اتجه إلى الساحل الشمالى لمصر حيث اعجب بمنطقة " راقودة " فأمر بإقامة مدينة الأسكندرية التي تحمل أسمه حتى اليوم ثم اتجه إلى سيوة حيث زار معبد آمون وأعتبره المصريون أبناً لأمون ونصبوه فرعوناً على مصر .
ثم كان العصر الروماني في مصر وهو العصر الذي جعل شعار البحر المتوسط أداة وصل لا أداة فصل بمثابة حقيقية واقعة على أرض الواقع ، ولا تزال آثار هذا العصر شاهدة على التزواج الحضاري التاريخي بين الحضارتين الفرعونية والرومانية .
وفي العصور الوسطى لم تنقطع العلاقة بين مصر الإسلامية وبين أوروبا واستمرت العلاقات ما بين التعاون والصراع الذى وصل ذروته بحرب مصر والعرب ضد الصليبيين لتحرير القدس .
وفي أواخر أعوام القرن الثامن عشر ، كانت الحملة الفرنسية على مصر وهي الحملة التى نبهت المصريين إلى مدى حاجتهم لإستعادة أمجادهم الحضارية والثقافية من جديد على أسس حديثة وهو الحلم الذى حوله محمد على باشا والى مصر إلى واقع عندما استقل بمصر عن الإمبراطورية العثمانية وضاعف علاقات مصر العلمية والثقافية والإقتصادية مع أوروبا فأقام دولة قوية فكانت قوتها خطراً على الإمبراطوريات القائمة آنذاك وانتهى الأمر بالإحتلال البريطانى لمصر والذي استمر حتى عام 1954 رغم إعلان انتهاء الحماية على مصر عام 1922 .
وفى اعقاب ثورة 1952ظلت لمصر علاقات ومصالح مشتركة مع العديد من الدول الأوروبية رغم تركيز السياسة الخارجية المصرية في تلك الفترة كعضو مؤسس لحركة عدم الإنحياز ومناصر لحركات التحرر الوطنى في مواجهة القوى الإستعمارية .
ومع التغير الذي طرأ على هذه التوجهات في السبيعنيات والإتجاه نحو الغرب بدأ الإهتمام المصرى بالبعد الأوروبي ، فتم إبرام اتفاقية تعاون بين مصر والجماعة الأوروبية عام 1977 والتي مثلت خطوة إيجابية نحو تنمية العلاقات المشتركة بين الجانبين .
ومع تولي الرئيس مبارك للسلطة ، بدأ الإهتمام المتزايد بالبعد الأوروبي ، فقد استقطبت الدائرة الأوروبية حيزاً كبيراً من اهتمامات وأنشطة السياسة الخارجية المصرية ، ويرجع هذا الإهتمام إلى اعتبارين أساسيين :
الإعتبار الأول : جذب الدعم الأوروبي لجهود التنمية الإقتصادية في مصر ، فقد مثلت القضايا الإقتصادية محور التفاعلات بين مصر وأوروبا ، وقام الرئيس مبارك بعدة جولات في القارة الأوروبية منها زيارته لمقر اللجنة الأوروبية في بروكسل عام 1989 ، والتي تعتبر أول زيارة يقوم بها رئيس دولة مصري للجنة مما يبرز وزن وأهمية العلاقات مع أوروبا . وكان من نتائج هذه الجولات المتكررة التوصل إلى عدة اتفاقيات بشأن إعادة جدولة الديون في إطار البيان المشترك لنادي باريس عام 1992 ، والذي بمقتضاه تم تخفيض 50 % من قيمة الديون المستحقة على مصر ، وإعادة جدولة الباقى .
الإعتبار الثانى : يتمثل في محاولة مصر دفع الإتحاد الأوروبى للعب دور أكبر في عملية التسوية السلمية في الشرق الأوسط، حيث عملت مصر على كسب التأييد الأوروبي للمبادئ التي تتبناها الدول العربية في المفاوضات .